للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولأبي يعلى بإسناد حسن، عن الحكم بن الحارث السّلميّ مرفوعًا: "من أخذ من طريق المسلمين شبرًا، جاء يوم القيامة يَحمِله من سبع أرضين".

ونظير ذلك ما تقدم في "كتاب الزكاة" في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في حَقِّ مَنْ غَلَّ بعيرًا: جاء يوم القيامة يحمله.

وَيحْتَمِل -وهو الوجه الرابع- أن بكون المراد بقوله: "يُطَوَّقه" يُكَلَّف أن يَجعله له طَوْقًا، ولا يستطيع ذلك، فيعذب بذلك، كما جاء في حَقّ مَن كَذَب في منامه كُلِّف أن يَعْقِد شعيرة.

وَيحْتَمِل -وهو الوجه الخامس- أن يكون التطويق تطويق الإثم، والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزومَ الإثم، ومنه قوله تعالى: {أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} الآية [الإسراء: ١٣]، وبالوجه الأول جزم أبو الفتح القشيريّ، وصححه البَغَويّ.

ويحْتَمِل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه الجناية، أو تنقسم أصحاب هذه الجناية، فَيُعَذَّب بعضهم بهذا، وبعضهم بهذا، بحسب قوّة المفسدة، وضعفها.

وقد رَوَى ابن أبي شيبة بإسناد حسن، من حديث أبي مالك الأشعريّ -رضي الله عنه-: "أعظم الغلول عند الله يوم القيامة ذراع أرض يَسْرِقه رجل، فَيُطَوَّقه من سبع أرضين". انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أقرب الاحتمالات أنه يُكَلَّف نقل ما ظَلَم منها في القيامة إلى المحشر، ويكون كالطَّوْق في عنقه، ثم بعد أن يُنقل جميعه يُجعل كله في عنقه طَوْقًا، ويَعْظُمُ قدرُ عنقه حتى يسع ذلك، كما ورد في غِلَظ جلد الكافر، ونحو ذلك.

وأقوى هذه الاحتمالات هو الاحتمال الثاني، وهو أنه يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين، ثم يُجعل في عنقه طَوْقًا يَحمِله حتى يُقضَى بين الناس؛ فهذا أقرب التأويل للتطويق المذكور في هذا الحديث؛ كما يؤيّده حديثا يعلى بن مرّة، والحكم بن الحارث -رضي الله عنهما- المذكوران آنفًا، فتأمله حقّ التأمل، والله تعالى وليّ التوفيق.


(١) "الفتح" ٦/ ٢٧٢ - ٢٧٣.