للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً)؛ أي: في هذه الدعوى (فَأَعْمِ بَصَرَهَا) بقطع الهمزة، أمر من الإعماء، وفي الرواية التالية: "فَعَمِّ بصرها" بتشديد الميم، من التعمية، قال الفيّوميّ رَحِمَهُ اللهُ: عَمِيَ عَمًى: فَقَدَ بصرَهُ، فهو أَعْمَى، والمرأة عَمْيَاءُ، والجمع عُمْيٌ، من باب أَحْمَر، وعُمْيَانُ أيضًا، ويُعَدَّى بالهمزة، فيقال: أَعْمَيْتُهُ، ولا يقع العَمَى إلا على العينين جميعًا، ويستعار العَمَى للقلب؛ كنايةً عن الضلالة، والعلاقة عدم الاهتداء، فهو عَمٍ، وأَعْمَى القَلْبِ، وعَمِيَ الخبرُ: خَفِي، ويُعَدَّى بالتضعيف، فيقال: عَمَّيْتُهُ. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: ظاهر عبارة الفيّوميّ أن تعدية عَمِيَ بمعنى فَقَدَ بصره بالهمزة، وأما التعدية بالتضعيف فهو لـ "عَمِيَ الخبرُ" بمعنى خَفِي، لكن أثبت المجد تعدية الأول بالتضعيف، وعبارته: عَمِيَ -كرَضِي- عَمًى: ذَهَبَ بصره كلُّهُ، قال: وعَمَاه تعميةً: صَيَّره أعمى. انتهى (٢).

فأدت عبارة المجد هذه أن الرواية هنا بلفظ: "فأعمِ بصرها"، و"عَمِّ بصرها" كلتاهما صحيحتان، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا) وفي الرواية التالية: "واقتلها في أرضها"، وقول سعيد هذا دليلٌ على أن سعيدًا استجاز الاعاء على الظالم بأكثر مما ظَلم فيه، وفيه إشكال مع قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠]، وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]، ووجهُ الإشكال: أنه كما لا يجوز أن ياخذ من الظالم، أو الغاصب زيادةً على القصاص، أو على مقدار ما أَخَذ، كذلك لا يجوز أن يدعو عليه بزيادة على ذلك؟ لإمكان الإجابة، فتحصل الزيادة الممنوعة، ولو لم يُستَجب له؛ أليس قد أراد وتمنى شرًّا زائدًا على قدر الجناية للمسلم؟! وهو ممنوع منه، دمانما الذي يجوز أن يدعو به على الظالم أن يقول: اللهم خُذ لي حقي منه، اللهم افعل به مثل ما فعل، وما أشبه ذلك، {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)} [الشورى: ٤٣].

ويجاب عنه بالفرق بين الدُّعاء على الظالم بأكثر مما ظَلم فيه، وبين أن


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٤٣١.
(٢) "القاموس المحيط" ص ٩١٤.