أقول: إنما شُرع ذلك؛ ليكون طريقًا إلى قطع المواساة بينهما، فإن اختلاط المسلم بالكافر يفسد عليه دينه، وهو قوله تعالى في حكم النكاح:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّار}[البقرة: ٢٢١].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "القاتل لا يرث"، أقول: إنما شُرع ذلك؛ لأن من الحوادث الكثيرة الوقوع أن يقتل الوارث مُوَرِّثه؛ ليحرز ماله، لا سيما في أبناء العم ونحوهم، فيجب أن تكون السُّنَّة بينهم تأييس مَن فَعَلَ ذلك عما أراده؛ لتقطع عنهم تلك المفسدة.
وجرت السُّنَّة ألا يرث العبد، ولا يورَث، وذلك لأن ماله لسيده، والسيد أجنبيّ.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعيان بني الأم يتوارثون، دون بني العلات"، أقول: وذلك لِمَا ذكرنا من أن القيام مقام الميت مبناه على الاختصاص، وحجب الأقرب والأبعد بالحرمان، وأجمعت الصحابة -رضي الله عنهم- في زوج وأبوين، وامرأة وأبوين، أن للأم ثلث الباقي، وقد بَيَّن ابن مسعود زعبه ذلك بما لا مزيد عليه، حيث قال: ما كان الله ليريني أن أفضل أمًّا على أب.
وقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بنت وابنة ابن، وأخت لأب وأم، للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، وما بقي فللأخت، أقول: وذلك لأن الأبعد لا يزاحم الأقرب فيما يجوزه، فما بقي، فإن الأبعد أحقّ به حتى يستوفي ما جعل الله لذلك النصف، فالابنة تأخذ النصف كاملًا، وابنة الابن في حكم البنات، فلم تزاحم البنت الحقيقية، واستوفت ما بقي من نصيب البنات، ثم كانت الأخت عصبةً؛ لأن فيها معنى من القيام مقام البنت، وهي من أهل شرفه.
وقال عمر -رضي الله عنه- في زوج وأم وإخوة لأب وأم وإخوة لأم: لم يزدهم الأب إلا قربًا، وتابع عليه ابن مسعود، وزيد، وشُريح -رضي الله عنهم- خلائق، وهذا القول أوفق الأقوال بقوانين الشرع، وقضى للجدة بالسدس إقامة لها مقام الأم عند عدمها.
وكان أبو بكر، وعثمان، وابن عباس -رضي الله عنهم- يجعلون الجد أبًا، وهو أولى الأقوال عندي.