أقول: الزوج يأخذ الميراث؛ لأنه ذو اليد عليها، وعلى مالها، فإخراج المال من يده يسوؤه، ولأنه يودعِّ منها، ويأمنها في ذات يده حتى يتخيل أن له حقًّا قويًّا فيما في يدها، أو الزوجة تأخذ حقّ الخدمة والمواساة والرفق، ففضل الزوج على الزوجة، وهو قوله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}[النساء: ٣٤]، ثم اعتُبر ألا يضيّقا على الأولاد، وقد علمت أن الفضل المعتبر في أكثر المسائل فضل التضعيف، قال تعالى:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}[النساء: ١٢].
أقول: هذه الآية في أولاد الأمّ؛ للإجماع، ولمّا لم يكن له والد ولا ولد جُعِل لحقّ الرفق -إذا كانت فيهم الأمّ- النصف، ولحقّ النصرة والحماية النصف، فإن لم تكن أم جُعل لهم الثلثان، ولهؤلاء الثلث، قال الله تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية [النساء: ١٧٦].
أقول: هذه الآية في أولاد الأب بني الأعيان، وبني العّلات بالإجماع، والكلالة من لا والد له، ولا ولد، وقوله:{لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}، كشف لبعض حقيقة الكلالة، والجملة في ذلك أنه إذا لم يوجد من يدخل في عمود النسب، حُمِل أقرب من يشبه الأولاد، وهم الإخوة والأخوات على الأولاد، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر".
أقول: قد علمت أن الأصل في التوارث معنيان، وقد ذكرناهما، وأن المودّة والرفق لا يُعتبر إلا في القرابة القريبة جدًّا كالأمّ، والإخوة، دون ما سوى ذلك، فإذا جاوزهم الأمر تعيَّن التوارث بمعنى القيام مقام الميت، والنصرة له، وذلك قوم الميت، وأهل نسبه، وشرفه الأقرب فالأقرب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم".