للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هذا يدلّ على أنه كان اتّضح له وجهُ الصواب فيها، وأنه كان قد استعمل فِكْرَه فيها حتى فَهِمَ ذلك، وأنه أراد أن يوضِّح ذلك على غاية الإيضاح، ولم يتمكّن من ذلك في ذلك الوقت الحاضر للعوائق والموانع، ثم فاجأته المنيّة -رضي الله عنه-، ولم يُرْوَ عنه فيها شيءٌ من ذلك.

لكن قد اهتَدَى علماء السلف لفهم الآيتين، وأوضحوا ذلك، فتبيَّن الصبح لذي العينين، والله تعالى أعلم (١).

وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: قوله: "وإني إن أعش … إلخ" هذا من كلام عمر -رضي الله عنه-، لا من كلام النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإنما أخَّر القضاء فيها؛ لأنه لم يظهر له في ذلك الوقت ظهورًا يحكم به، فأخّره حتى يتم اجتهاده فيه، ويستوفي نظره، ويتقرر عنده حكمه، ثم يقضي به، ويُشيعه بين الناس، ولعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما أغلظ له؛ لخوفه من اتكاله، واتكال غيره على ما نُصّ عليه صريحًا، وتركهم الاستنباط من لنصوص، وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣]، فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة؛ لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة، فإذا أُهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة، أو في بعضها. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

قال الجامع عفا الله عنه: حديث عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- هذا من أفراد المصنّف رحمهُ الله، وقد تقدّم تخريجه، وبيان فوائده في "كتاب المساجد" [١٧/ ١٢٦٢]، فما بقي إلا ذكر ما يتعلّق بالكلالة، فأقول:

(مسألة): في اختلاف أهل العلم في معنى الكلالة:

قال النوويّ رحمهُ الله: اختَلَفَ العلماء في المراد بالكلالة في الآية على أقوال:

[أحدها]: المراد: الوِرَاثة إذا لم يكن للميت ولد ولا والد، وتكون الكلالة منصوبة على تقدير: يُورَثُ وراثةَ كلالة.

[والثاني]: أنه اسم للميت الذي ليس له ولد ولا والد، ذكرًا كان الميت


(١) "المفهم" ٢/ ١٧٣.
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ٥٧ - ٥٨.