للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والظاهر أنهما نزلا معًا، فيصدُق على كلّ واحد منهما أنه آخر ما نزل.

فبقي التعارض بين آية الربا، وآية الكلالة، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: ١٢٨]، و"سورة النصر"، فيجاب بما أجاب به البيهقيّ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو أن كلّ واحد أجاب بما عنده؛ أي: بما ظَنّ أنه الآخِر، والله تعالى أعلم.

وقال السيوطيّ رحمه الله في "الإتقان" بعد ذكر الروايات ما نصّه: ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا: {وَآتقُوا يَوْمًا}، وآية الدَّين، لأنَّ الظاهر أنَّها نزلت دفعةً واحدةً، كترتيبها في المصحف، ولأنها في قصّة واحدة، فأخبر كلٌّ عن بعض ما نزل بأنه آخر ذلك، وذلك صحيح، وقول البراء: آخر ما نزل: {يَسْتَفْتُونَكَ} أي: في شأن الفرائض. وقال ابن حجر في "شرح البخاريّ": طريق الجمع بين القولين في آية الربا: {وَآتقُوا يَوْمًا} أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا؛ إذ هي معطوفة عليهنّ، ويُجْمَع بين ذلك وبين قول البراء بأن الآيتين نزلتا جميعًا فيصدق أن كُلًّا منهما آخِر بالنسبة لما عداهما.

ويَحْتَمِل أن تكون الآخِرية في آية النساء مقيدة بما يتعلق بالمواريث، بخلاف آية البقرة.

ويَحْتَمِل عكسه، والأول أرجح؛ لِمَا في آية البقرة من الإشارة إلى معنى الوفاة المستلزمة لخاتمة النزول.

قال: وقال البيهقيّ: يُجمَع بين هذه الاختلافات إن صحّت بأن كلّ واحد أجاب بما عنده، وقال القاضي أبو بكر في "الانتصار": هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وكلٌّ قاله بضرب من الاجتهاد وغلبة الظنّ، ويَحْتَمل أن كلًّا منهم أخبر عن آخِر ما سمعه من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في اليوم الذي مات فيه، أو قبل مرضه بقليل، وغيره سمع منه بعد ذلك، وإن لم يسمعه هو، ويَحْتَمِل أيضًا أن تنزل هذه الآية التي هي آخر آية تلاها الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع آيات نزلت معها، فيأمر برسم ما نزل معها بعد رسم تلك، فيُظنّ أنه آخِر ما نزل في الترتيب، انتهى كلام السيوطيّ رحمه الله في الإتقان" (١).


(١) "الإتقان في علوم القرآن" ١/ ٢٩.