استرجاع الأب لِمَا وهب، وتعلَّق بالولد من الدَّين والتزويج كلّ طلب، وللأب أن يعتصرها من كلّ من يقع عليه اسم ولد حقيقة، أو مجازًا، مثل ولده لصُلْبه، وولد ولده من أولاد البنين والبنات.
وحملت طائفة حديث النَّهي عن الارتجاع في الهبة على عمومه، ولم يستثنوا من ذلك ولدًا ولا غيره، وبه قال طاووس، وأحمد، والرجوع عندهم في الهبة محرم مطلقًا، والحجَّة عليهم ما تقدَّم من الحديث، وعمل أهل المدينة الدَّالّين على استثناء الأب، وقالت طائفة أخرى: إن المراد بذلك النهي: من وهب لذي رحم، أو زوج، فلا يجوز له الرُّجوع، وإن وهب لغيرهم جاز الرُّجوع، وهو قول الثوريّ، والنخعيّ، وإسحاق، وقصره أبو حنيفة، والكوفيون على كلّ ذي رحم محرم فلا رجوع له فيما يهبه لهم، ويرجع فيما وهبه لغيرهم؛ وإن كانوا ذوي رحم.
قال القرطبيّ: وهذه تحكُّمات على ذلك العموم. فيا لله من تلك المفهوم!!. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): قال في "الفتح": وقد استُشكل ذكر عمر -رضي الله عنه- يعني: حمله في سبيل الله- مع ما فيه من إذاعة عمل البرّ، وكتمانُهُ أرجح.
وأجيب بأنه تعارض عنده المصلحتان: الكتمان، وتبليغ الحكم الشرعيّ، فرجَّحَ الثاني، فعَمِل به.
وتُعُقّب بأنه كان يمكن أن يقول: حمل رجل فرسًا مثلًا، ولا يقول: حملت، فيجمع بين المصلحتين، والظاهر أن محلّ رجحان الكتمان إنما هو قبل الفعل، وعنده، وأما بعد وقوعه، فلعلّ الذي أُعْطِيَهُ أذاع ذلك، فانتفى الكتمان، ويضاف إليه أن في إضافته ذلك إلى نفسه تأكيدًا لصحّة الحكم المذكور؛ لأن الذي تقع له القصّة أجدر بضبطها ممن ليس عنده إلَّا وقوعها بحضوره، فلمّا أمِنَ ما يُخشى من الإعلان بالقصد، صرّح بإضافة الحكم إلى نفسه.
ويَحْتَمِل أن يكون محلّ ترجيح الكتمان لمن يَخشَى على نفسه من