للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسول الله على المنبر: "إن رجالًا من العرب يُهدي أحدُهم الهديَّة، فأعوِّضه منها بقدر ما عندي، فيظل يتسخَّطُ عليَّ، وايم الله! لا أقبل بعد يومي هذا من رجل من العرب هديَّة إلَّا من قرشيٍّ، أو أنصاريٍّ، أو ثقفيٍّ، أو دوسيٍّ" (١)، وهذا الحديث وإن لم يكن إسناده بالقويّ (٢)، فيعضده كلّ ما تقدم، وما حكاه مالك من أن هبة الثواب مُجْمَعٌ عليها عندهم، وكيف لا تجوز وهي معاوضةٌ تشبه البيع في جميع وجوهه، إلَّا وجهًا واحدًا؟! وهي: أن العوض فيها غير معلوم حالة العقد، وإنما سامح الشرع في هذا القدر؛ لأنهما دخلا في ذلك على وجه المكارمة، لا المشاحَّة، فعفا عن تعيين العوض فيه، كما فعل في نكاح التفويض.

وأما هبة الأب لولده: فللأب الرجوع فيها، وإلى هذا ذهب مالك، والشافعيّ، وأبو ثور، والأوزاعيّ، وقد اتفق هؤلاء على أنَّ ذلك للأب، وهل يُلْحَق بالأب الأم والجد؟ اختَلَف في ذلك قول مالك، والشافعيّ، ففي قول: يُقْصَرُ ذلك على الأب، وفي قول آخر: إلحاقهما به، والمشهور من مذهب مالك: إلحاق الأم، ومن مذهب الشافعيّ: إلحاق الأم، والأجداد، والجدَّات مطلقًا، والأصل في هذا الباب: ما خرَّجه النسائي من حديث ابن عمر، وابن عباس -رضي الله عنهم- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يحل لرجل يعطي عطية يرجع فيها إلَّا الوالد فيما يعطي ولده، ومَثَل الذي يعطي عطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب، أكل حتَّى إذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه"، وهذا حديث صحيح.

وقال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا: أن من أعطى ولده عطيَّة ليس بصدقة أن له أن يعتصرها؛ ما لم يستحدث الولد دَينًا، أو ينكح، فليس للأب الاعتصار، وسبب اختلافهم في إلحاق غير الأب بالأب: هو أنَّه هل يتناول الملحق اسم الأبوة، أو الوالد، أم لا؟ وهل هم في معنى الأب، أو يُفرَّق بينهم وبينه؟ فإن للأب من الحق في مال الولد ما ليس لغيره، وله من خصوصية القُرْب ما ليس لهم.

قال القرطبيّ: وأما إلحاق الأم فلا إشكال فيه، وقد أوغل الشافعيّ في


(١) حديث صحيح. انظر: "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألبانيّ رحمه الله ٤/ ٢٥٣.
(٢) هذا الكلام فيه نظر لا يخفي، فإن رجال إسناده موثّقون، فلا ينقص حديثهم عن درجة الحسن، فراجع: "جامع الترمذيّ" رقم (٣٩٤٦).