ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أحد العبادلة الأربعة، والمكثرين السبعة، وحبر الأمة، وبحرها.
شرح الحديث:
(عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّب، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) -رضي الله عنهما-، وفي رواية بكير بن الأشجّ، عن سعيد بن الْمُسَيِّب الآتية: قال: "سمعت ابن عبّاس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول" (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"مَثَلُ الَّذِي يَرْجِعُ فِي صَدَقَتِهِ)؛ أي: يرجع إلى أخذ صدقته ممن تصدّق بها عليه، وفي الرواية التالية: "العائد في هبته" (كمَثَل الْكَلْب يَقِيءُ) وفي بعض النسخ: "كمثل الكلب الذي يقيء" (ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، فَيَأْكُلُهُ") وفي رواية البخاريّ من طريق عكرمة، عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "ليس لنا مَثَلُ السَّوْء، الذي يعود في هبته، كالكلب يرجع في قيئه"، قال في "الفتح": أي لا ينبغي لنا معشرَ المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة، يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها، قال الله سبحانه وتعالى:{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى}[النحل: ٦٠]، ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك، وأدلّ على التحريم مما لو قال مثلًا: لا تعودوا في الهبة، وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تُقْبَض ذهب جمهور العلماء، إلا هبة الوالد لولده؛ جمعًا بين هذا الحديث، وحديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- الآتي في الباب التالي.
وقال الطحاويّ: قوله: "لا يحلّ" لا يستلزم التحريم، وهو كقوله:"لا تحل الصدقة لغنيّ"، وإنما معناه: لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة، وأراد بذلك التغليظ في الكراهة، قال: وقوله: "كالعائد في قيئه" وإن اقتضى التحريم؛ لكون القيء حرامًا، لكن الزيادة في الرواية الأخرى، وهي قوله:"كالكلب" تدلّ على عدم التحريم؛ لأن الكلب غير متعبَّد، فالقيء ليس حرامًا عليه، والمراد التنزيه عن فعل يشبه فعل الكلب.
وتُعُقّب باستبعاد ما تأوله، ومنافرة سياق الأحاديث له، وبأن عُرْفَ الشرع في مثل هذه الأشياء يريد به المبالغة في الزجر، كقوله:"مَن لَعِب بالنردشير، فكأنما غَمَس يده في لحم خنزير". انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد أجاد في ذكر هذا التعقّب على الطحاويّ الذي