خالف ظواهر النصوص محاماة لمذهبه، وهذه هي المصيبة الطامة على المقلّدين، فإنهم يردّون ظواهر النصوص إذا خالفت مذاهبهم بتأويلات باردة، واحتمالات كاسدة، ومن واجب كلّ مسلم أن ينصر السُّنّة إذا صحّت لديه، وإن خالفت مذهبه، ومذاهب الناس جميعًا؛ لأن الله تعالى ضمن فيها الفلاح، والهداية، والفوز في الدنيا والآخرة، حيث قال:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف: ١٥٧]، وقال:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف: ١٥٨]، وقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٥٢)} [النور: ٥٢]، ولم يضمن لمذاهب الناس بشيء من ذلك، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وقال النوويّ رحمه الله: هذا الحديث ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما، وهو محمول على هبة الأجنبيّ، أما إذا وهب لولده، وإن سفل فله الرجوع فيه، كما صُرِّح به في حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، ولا رجوع في هبة الإخوة، والأعمام، وغيرهم من ذوي الأرحام، هذا مذهب الشافعيّ، وبه قال مالك، والأوزاعيّ، وقال أبو حنيفة، وآخرون: يرجع كلُّ واهب إلا الولد، وكلّ ذي رحم محرم. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث ابن عبّاس -رضي الله عنهما- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [٢/ ٤١٦٣ و ٤١٦٤ و ٤١٦٥ و ٤١٦٦ و ٤١٦٧ و ٤١٦٨ و ٤١٦٩](١٦٢٢)، و (البخاريّ) في "الهبة"(٢٥٨٩ و ٢٦٢١ و ٢٦٢٢) و"الحيل"(٦٩٧٥)، و (أبو داود) في "البيوع"(٣٥٣٨)، و (الترمذيّ) في "البيوع"(١٢٩٨)، و (النسائيّ) في "الهبة"(٦/ ٢٦٥ و ٢٦٦) و"الكبرى"(٤/ ١٢١ و ١٢٢ و ١٢٣ و ١٢٤)، و (ابن ماجه) في "الهبات"(٢٣٨٥)، و (عبد الرزّاق) في "مصنّفه"(١٦٥٣٦ و ١٦٥٣٨)، و (الطيالسيّ) في "مسنده"(٢٦٤٩)، و (الحميديّ) في "مسنده"(٥٣٠)،