للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذكر بعضُ الناس عن الشافعيّ أنه كان لا يَرَى الصدقة بالمال الذي لا يُعرَف صاحبه، وقال: كيف يَتَصَدَّق بمال غيره؟.

قال أبو عمر: وهذا عندي معناه فيما يمكن وجود صاحبه، والوصول إليه، أو إلى ورثته، وأما إن لم يمكن شيء من ذلك، فإن الشافعيّ رحمه الله لا يَكْرَه الصدقة به حينئذ - إن شاء الله -.

ذكر سُنَيد: حدثنا أبو فَضَالة، عن أزهر بن عبد الله قال: غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم، فَغَلّ رجل مائة دينار، فَأَتَى بها معاويةَ بن أبي سفيان، فأبى أن يقبلها، وقال: قد نَفَر الجيش، وتفرق، فخرج فلَقِي عبادة بن الصامت، فذكر ذلك له، فقال: ارجع. إليه، فقل له: خذ خمسها أنت، ثم تصدق أنت بالبقية، فإن الله عالم بهم جميعًا، - فأَتَى معاوية، فأخبره، فقال: لأَن كنتُ أنا أفتيتك بهذا كان أحب إلي من كذا وكذا.

وقد أجمعوا في اللقطة على جواز الصدقة بها بعد التعريف، وانقطاع صاحبها، وجعلوه إذا جاء مُخَيَّرًا بين الأجر والضمان، وكذلك الغصوب، وبالله التوفيق. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذكره أبو عمر رحمه الله تعالى في هذه المسألة تحقيقٌ حسنٌ.

وحاصله وجوب ردّ الغالّ ما غلّه إذا وَجد إلى ذلك سبيلًا، وإلا تصدّق به.

وأما الأثر الذي ذكره عن سُنيد، فسُنيد ضعيفٌ مع إمامته ومعرفته بالتفسير (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.


(١) "التمهيد" ٢/ ٢٢ - ٢٥.
(٢) راجع: "تهذيب التهذيب" ٢/ ١٢٠، و"التقريب" ص ١٣٨.