وقال الطحاويّ: لو صحّ حديث صالح المذكور احتَمَلَ أن يكون كان حين كانت العقوبات في الأموال، كما قال في مانع الزكاة:"إنا آخذوها وشَطْرَ ماله، عَزْمَةٌ من عَزَمات الله"، وكما رَوَى أبو هريرة - رضي الله عنه - في ضالة الإبل المكتومة:"فيها عزامتها ومثلها معها"، وكما رَوَى عبد الله بن عمرو بن العاص في الثَّمَر المعلَّق غرامة مثليه، وجَلَدات نكال، وهذا كله منسوخ.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى الطحاويّ النسخ في هذا الحديث، وأنه كان حين كانت العقوبة في الأموال فيه نظر لا يخفى، فالصواب في الجواب ما سبق في كلام ابن عبد البرّ، وهو كون الحديث ضعيفًا، وأما العقوبة بالمال، فلا يصحّ فيها دعوى النسخ، بل هي مما اختَلَفَ العلماءُ فيها، وأن الحقّ أنها يُعمَل بها فيما ورد النصّ فيه، كما في مانع الزكاة، ونحوه، وقد حقّقته في "شرح النسائيّ" في "كتاب الزكاة" بما فيه الكفاية، فلتراجعه، والله تعالى وليّ التوفيق.
قال أبو عمر رحمه الله تعالى: الذي ذهب إليه مالك، والشافعيّ، وأبو حنيفة، ومن تابعهم في هذه المسألة أولى من جهة النظر، وصحيحِ الأثر، والله تعالى أعلم.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ذهب إليه أبو عمر رحمه الله تعالى من ترجيح مذهب هؤلاء الأئمة، وهو عدم إحراق متاع الغالّ، وإنما يُعَزَّر بما يراه الإمام هو الذي يترجّح عندي؛ لظهور حجته، كما قاله أبو عمر رحمه الله تعالى.
قال أبو عمر رحمه الله تعالى: وأجمع العلماء على أن على الغالّ أن يَرُدّ ما غَلَّ إلى صاحب المقاسم، إن وَجَدَ السبيل إلى ذلك، وأنه إذا فَعَل ذلك فهي توبة له، وخروج عن ذنبه، واختلفوا فيما يَفْعَلُ بما غَلَّ إذا افترق أهل العسكر، ولم يَصِل إليهم، فقال جماعة من أهل العلم: يَدفَع إلى الإمام خمسه، ويتصدق بالباقي، وهذا مذهب الزهريّ، ومالك، والأوزاعيّ، والليث، والثوريّ، ورُويَ ذلك عن عبادة بن الصامت، ومعاوية بن أبي سفيان، والحسن البصريّ، وهو يُشبِه مذهب ابن مسعود، وابن عباس؛ لأنهما كانا يريان أن يُتَصَدَّق بالمال الذي لا يُعْرَف صاحبه.