للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله تعالى: القول الثاني هو أقرب الأجوبة عندي، وحاصله أن النهي عن قبول هدايا المشركين محمول على ما إذا رأى الإمام المصلحة في ردّها بأن طمع في إسلامه، ونحو ذلك؛ جمعًا بين النصوص، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في عقوبة الغالّ:

قال الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى: قد اختلف العلماء في عقوبة الغالّ، فذهب مالك، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وأصحابهم، والليث بن سعد، إلى أن الغالّ يعاقب بالتعزير، ولا يُحَرَّق متاعه.

وقال الشافعيّ، وداود بن علي: إن كان عالِمًا بالنهي عُوقب، وهو قول الليث، قال الشافعيّ: وإنما يعاقب الرجل في بدنه لا في ماله.

وقال الأوزاعيّ: يُحَرَّق متاع الغالّ كله إلا سلاحه وثيابه التي عليه، وسرجه، ولا تُنتزَع منه دابته، ويُحَرّق سائر متاعه كله، إلا الشيء الذي غَلَّ، فإنه لا يحرّق، ويعاقب مع ذلك، وقول أحمد وإسحاق، كقول الأوزاعي في هذا الباب كله.

وروي عن الحسن البصريّ أنه قال: يحرق رحله كله، إلا أن يكون حيوانًا أو مصحفًا، وممن قال يُحَرَّق رحل الغالّ ومتاعه مكحول، وسعيد بن عبد العزيز.

وحجةُ مَن ذَهَبَ إلى هذا القول حديثُ صالح المذكور، وهو عندنا حديثٌ لا يجب به انتهاك حرمة، ولا إنفاذ حكم، مع ما يعارضه من الآثار التي هي أقوى منه، فأما رواية من رَوَى: "فاضربوا عنقه، وأحرقوا متاعه"، فإنه يعارضه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَحِلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث … " الحديث، وهو يَنفي القتل في الغلول، ورَوَى أبو الزبير (١)، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على الخائن ولا على المنتهب، ولا على المختلِس قطع" (٢). وهذا أيضًا يعارض حديث صالح بن محمد بن زائدة، وهو أقوى من جهة الإسناد، والغالُّ خائن في اللغة والشريعة.


(١) وقع في نسخة "التمهيد": "ابن الزبير"، وهو تصحيف من أبي الزبير، فتنبّه،
(٢) حديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد، وأصحاب السنن.