للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يقبل من المشركين هداياهم، وذَكَر في هذا الحديث الكراهية، واحتَمَل أن يكون هذا بعدما كان يَقبَل منهم، ثم نُهِي عن هداياهم. انتهى كلام الترمذيّ.

ولفظ أحمد: عن عياض بن حمار المجاشعيّ، وكانت بينه وبين النبيّ - صلى الله عليه وسلم - معرفة قبل أن يُبعث، فلما بُعِث النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أهدى له هديةً، قال: أحسبها إبلًا، فأبى أن يقبلها، وقال: "إنا لا نَقبل زَبْد المشركين"، قال: قلت: وما زبد المشركين؟ قال: رِفْدُهم، وهديتهم.

وأخرج أبو عمر بسنده عن الزهريّ، عن عبد الرحمن بن مالك، عن عامر بن مالك الذي يقال له: مُلاعِب الأسنة، قال: قَدِمت على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بهدية، فقال: "إنا لن نقبل هدية مشرك".

قال أبو عمر: واختَلَف العلماء في معنى هذين الحديثين، فقال منهم قائلون: فيهما النسخ لما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبول الهدية من أهل الشرك، مثل أُكَيدر دُومَة، وفَرْوَة بن نُفَاثة، والْمُقَوْقِس، وغيرهم.

وقال آخرون: ليس فيهما ناسخ ولا منسوخ، والمعنى فيهما: أنه كان لا يَقبَل هديةَ مَن يَطْمَع بالظهور عليه، وأخذ بلده، أو دخوله في الإسلام، فعن مثل هذا نُهِي أن يَقْبَل هديته، ويُهادِنه، ويُقِرَّه على دينه، مع قدرته عليه، أو طمعه في هدايته؛ لأن في قبول هديته حملًا على الكفّ عنه، وقد أُمِر أن يقاتل الكفار حتى يقولوا: لا إله إلا الله.

وقال آخرون: كان مُخَيَّرًا في قبول هديتهم، وترك قبولها؛ لأنه كان من خلقه - صلى الله عليه وسلم - أن يُثيب على الهدية بأحسن منها، فلذلك لم يَقْبَل هدية مشرك؛ لئلا يُثيبه بأفضل منها.

قال أبو عمر: وقد قيل: إنه إنما تَرَك ذلك تَنَزُّهًا، ونُهِي عن زَبْد المشركين؛ لما في التهادي، والزَّبْد من التحابّ، وتليين القلوب، والله عز وجل يقول: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] الآية، والله أعلم بما أراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - بقوله ذلك، وقد قبل - صلى الله عليه وسلم - هديةَ قوم من المشركين (١).


(١) راجع: "التمهيد" ٢/ ٣ - ١٤.