للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم رجوع الوالد فيما أعطى ولده:

ذهب مالك، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وإسحاق، وأبو ثور، وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد إلى أن للوالد الرجوع فيما وهب لولده.

وذهب أصحاب الرأي، والثوريّ، وهي رواية عن أحمد إلى أنه ليس له الرجوع فيها؛ لقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "العائد في هبته، كالعائد في قيئه"، متّفقٌ عليه، وعن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- قال: "من وهب هبةً، يرى أنه أراد بها صلة رحم، أو على وجه صدقة، فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة أراد بها الثواب، فهو على هبته، يرجع فيها إذا لم يُرْضَ منها"، رواه مالك في "الموطّإ"، ولأنها هبةٌ يحصل بها الأجر من الله تعالى، فلم يجز الرجوع فيها، كصدقة التطوّع.

واحتجّ الأولون بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه -رضي الله عنه- مرفوعًا: "لا يرجع أحد في هبته، إلا والد من ولده، والعائد في هبته كالعائد في قيئه"، رواه النسائيّ، وهو حديث صحيح، وهو صريح في جواز رجوع الوالد فيما وهب لولده، وبقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لبشير بن سعد -رضي الله عنه- في الحديث الآتي في الباب التالي: "فاردده"، وفي رواية: "فارجعه"، فأمره بالرجوع في هبته، وأقلّ أحوال الأمر الجواز، وقد امتثل بشير بن سعد ذلك، فرجع في هبته لولده، ألا ترى أن النعمان قال في الحديث: فرجع أبي، فردّ تلك الصدقة.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الأولون هو الحقّ، وحاصله جواز رجوع الوالد فيما وهب لولده؛ لصحة الحديث الماضي، وهو صريح في جواز ذلك للوالد، ففي لفظ: "لا يرجع"، وفي لفظ: "لا يحلّ لرجل … إلخ"، فتأويل مثل هذا النصّ الصريح في التحريم بأنه للكراهة، مما لا يُلتفت إليه، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتهوّر بالاعتساف.

وقد عرفت ما قلته في محاولة صاحب "فتح الملهم" في التأويل البارد، والتوجيه الكاسد، فلا تلتفت إليه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.