للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعضهم، ذكره ابن عبد البرّ، ولا يخفى ضعفه؛ لأنه قياس مع وجود النصّ.

قال الشوكانيّ رحمه الله بعد نقل كلام الحافظ هذا: فالحقّ أن التسوية واجبة، وأن التفضيل محرّم. انتهى (١).

وزعم بعضهم أن معنى قوله: "لا أشهد على جور"؛ أي: لا أشهد على ميل الأب لبعض الأولاد دون بعض، وفي هذا نظر لا يخفى، ويردّه قوله في الرواية: "لا أشهد إلا على الحقّ".

وحَكَى ابن التين عن الداوديّ أن بعض المالكيّة احتجّ بالإجماع على خلاف ظاهر حديث النعمان -رضي الله عنه-، ثم ردّه، ذكر هذا كلّه في "الفتح" (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد أجاد الحافظ رحمه الله في سوقه الأدلّة التي احتجّ بها القائلون بعدم وجوب التسوية بين الأولاد، وردّها عليهم، فشفى وكفى.

والحاصل أن المذهب الأول القائل بوجوب التسوية بين الأولاد، وحَمْل النهي على التحريم هو الحقّ؛ لوضوح حجّته، واستنارة محجّته، فيجب التسوية بينهم في العطيّة مطلقًا، سواء كانوا ذُكورًا أو إناثًا، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد.

ثم رأيت تحقيقًا للعلامة أبي العبّاس القرطبيّ، وإن كان مضى في كلام الحافظ، إلا أنه أجاد فيه، وأفاد، فأردت إلحاقه بما مضى؛ تتميمًا للفائدة، وتثبيتًا للعائدة، قال رحمه الله:

لا يجوز أن يَخُصَّ بعض ولده بعطاء ابتداءً، وهل ذلك على جهة التحريم، أو الكراهة؟ قولان لأهل العلم، وإلى التحريم ذهب طاووس، ومجاهد، والثوريّ، وأحمد، وإسحاق، وأن ذلك يُفْسَخُ إن وقع، وذهب الجمهور: مالك في المشهور عنه، والشافعيّ، وأبو حنيفة، وغيرهم: إلى أن ذلك لا يُفْسَخ إذا وقع، وقد حَكَى ابن المنذر عن مالك وغيره جواز ذلك؛ ولو أعطاه ماله كله، وحَكَى غيره عن مالك: أنَّه إن أعطاه ماله كله أرتجعه، قال


(١) "نيل الأوطار" ١١/ ١٨٦.
(٢) "الفتح" ٦/ ٤٤١ - ٤٤٣، كتاب "الهبة" رقم (٢٥٨٦).