سحنون: من أعطى ماله كله ولدًا أو غيره، ولم يبق له ما يقوم به؛ لم يَجُز فِعْله.
فمن قال بالتحريم تمسَّك بظاهر النهي، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصلح هذا، ولا أشهد على جوْر"، وبقوله:"اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم"، وبأمره بردّ ذلك، ومن قال بالكراهة انصرف عن ذلك الظاهر بقوله:"أشهدْ على هذا غيري"، قال: ولو كان حرامًا لَمَا قال هذا، وأنه كان يذمُّ من فَعَلَ ذلك، ومن يَشْهَد فيه، ويغلِّظ عليه، كعادته في المعقود المحرَّمة، وبقوله:"أيسرُّك أن يكونوا لك في البرِّ سواء؟ "، فإنه نبَّه على مراعاة الأحسن، وبأن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- نَحَل عائشة -رضي الله عنهما- جادَّ عشرين وسقًا من ماله بالغابة، ولم ينحل غيرها من ولده شيئًا من ذلك، ولأن الأصل جواز تصرُّف الإنسان في ماله مطلقًا، وتأوّل هؤلاء ما احتجَّ به المتقدِّمون من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يصلح هذا"، وأن ذلك "جَوْر" على أن ذلك على الكراهة؛ لأن من عدل عن الأَوْلى والأصلح يصدُق عليه مثل ذلك الإطلاق؛ لأنه مما لا ينبغي أن يُقْدِم عليه، ولذلك لم يشهد فيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأما أمْره بارتجاع ذلك؛ لأنه يجوز للأب أن يرجع فيما وهب لولده، كما تقدَّم، وهو يدل على صحَّة الهبة المتقدمة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "مُره فليراجعها"، وكان ذلك دليلًا على صحة الطلاق الواقع في الحيض.
وللطائفة الأولى أن تنفصل عن ذلك بمنع: أن قوله: "أشهد على هذا غيري" ليس إذنًا في الشهادة، وإنَّما هو زجرٌ عنها؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قد سمَّاه جورًا، وامتنع من الشهادة فيه، فلا يمكن أن يشهد أحد من المسلمين في ذلك بوجه.
وعن قوله في قوله:"أيسرك أن يكونوا في البر سواء؟ ": أن ذلك تنبيهٌ على الأحسن، بأن ذلك ممنوع، بل ذلك تنبيهٌ على مدخل المفسدة الناشئة عنه، وهو العقوق؛ الذي هو من الكبائر.
وعن نُحْلِ أبي بكر -رضي الله عنه-: أن ذلك يَحتمل أنَّه كان قد نحل أولاده نُحلًا يعادل ذلك، ولم يُنقَل، ثم إن ذلك الفعل منه لا يعارض به قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعن التمسك بالأصل: أن ذلك غير قادح؛ لأن الأصل الكلِّيّ والواقعة المعيّنة المخالفة لذلك الأصل في حكمه لا تعارض بينهما، كالعموم والخصوص، وقد