للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تقرر في الأصول: أن الصحيح بناء العام على الخاص، وعن التأويل: أن ذلك مجاز، وهو على خلاف الأصل، وعن الارتجاع: بمنع أن يُحْمَل ذلك على الاعتصار؛ فإن لفظ الردِّ ظاهر في الفسخ، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ"، أي: مفسوخ، ويؤيد ذلك قوله: "فردَّ أبي تلك الصدقة"، والصَّدقة لا يعتصرها الأب بالاتفاق.

وعند هذا الانفصال يتبيَّن للناظر: أن القائل بالتحريم هو الذي صال، وأمَّا القول بالجواز، فلم يَظْهَر له وجه فيه يُجَاز.

[تنبيه]: مِن أبعد تأويلات ذلك الحديث قول من قال: إن النهي فيه إنَّما يتناول من وهب ماله كلَّه لبعض ولده، وكأنه لم يسمع في الحديث نفسه: إن الموهوب كان غلامًا فقط.

وإنما وهبه له لمَّا سألته أمُّه بعض الموهبة من ماله، وهذا يُعلم منه على القطع: أنه كان له مالٌ غيره. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا.

وقال العلّامة شمس الدين ابن القيم رحمه الله في "حاشية السنن": وفي لفظ في "الصحيح": "أكلّ ولدك نحلته مثل هذا؟ " قال: لا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فارجعه"، وفي لفظ: قال: "فَرُدّه"، وفي لفظ آخر: قال فيه: "فاتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم، فرجع أبي في تلك الصدقة"، وفي لفظ لهما: "فلا تُشهدني إذن، فإني لا أشهد على جَوْر"، وفي آخر: "فلا تشهدني على جور"، وفي آخر: "فأشهد على هذا غيري"، وفي آخر: "أيسرك أن يكون بنوك في البرّ سواء؟، قال: بلى، قال: فلا إذن"، وفي لفظ آخر: "أفكلّهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا، قال: فليس يصلح هذا، وإني لا أشهد إلا على حقّ".

وكل هذه الألفاظ في "الصحيح"، وغالبها في "صحيح مسلم"، وعند البخاريّ منها: "لا تشهدني على جَوْر"، وقوله: "لا أشهد على جور"، والأمر بردّه، وفي لفظ: "سَوِّ بينهم"، وفي لفظ: "هذا جورٌ، أشهدْ على هذا غيري"،


(١) "المفهم" ٤/ ٥٨٦ - ٥٨٨.