وهذا صريح في أن قوله:"أشهدْ على هذا غيري" ليس إذنًا، بل هو تهديد؛ لتسميته إياه جَوْرًا.
قال: وهذه كلها ألفاظ صحيحةٌ صريحةٌ في التحريم والبطلان، من عشرة أوجه تؤخذ من الحديث.
وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أَشْهِد على هذا غيري"، فإن هذا ليس بإذن قطعًا، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يأذن في الجور، وفيما لا يصلح، وفي الباطل، فإنه قال:"إني لا أشهد إلا على حقّ"، فدلّ ذلك على أن الذي فعله أبو النعمان لم يكن حقًّا، فهو باطل قطعًا، فقوله إذن:"أشهدْ على هذا غيري" حجة على التحريم، كقوله تعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}[فصلت: ٤٠]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"؛ أي: الشهادة على هذا ليست من شأني، ولا تنبغي لي، وإنما هي من شأن من يشهد على الجور والباطل، وما لا يصلح، وهذا في غاية الوضوح، وقد كتبت في هذه المسألة مُصَنّفًا مفردًا استوفيت فيه أدلتها، وبيّنت من خالف هذا الحديث، ونقضها عليهم، وبالله التوفيق. انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله بتصرّف يسير (١).
قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد الإمام ابن القيّم رحمه الله في تحقيق هذه المسألة، وأن الحقّ هو القول بوجوب التسوية بين الأولاد، وأن التفضيل بينهم حرام؛ لأن الأدلة كلها ظاهرة، بل صريحة في الدلالة على هذا، فكن مع الحقّ وأهله، ودُر حيث دار الدليل، ولا تكن إمّعةً بالتقليد الذليل، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رحمه الله أوّل الكتاب قال: