للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مأخوذ من العُمُر، سمّيت بذلك لأنهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهليّة، فيُعطي الرجل الدارَ، ويقول له: أعمرتك إياها؛ أي: أبحتها لك مدّة عمرك، فقيل لها: عمرى لذلك، وكذا قيل لها: رقبى؛ لأن كلًّا منهما يَرْقُب متى يموت الآخر؛ لترجع إليه، وكذا ورثته، فيقومون مقامه في ذلك (١).

وقال ابن منظور رحمه الله: الْعُمْرَى: ما تجعله للرجل طولَ عُمُرِك، أَو عُمُرِه، وقال ثعلب: العُمْرَى أَن يدفع الرجل إِلى أَخيه دارًا، فيقولَ: هذه لك عُمُرَك، أَو عُمُرِي، أَيُّنا مات دُفِعَت الدار إلى أَهله، وكذلك كان فعلُهم في الجاهلية، وقد عَمَرْتُه إياه، وأَعْمَرْته: جعلتُه له عُمُرَه، أَو عُمُرِي، والعُمْرَى المصدرُ من كل ذلك كالرُّجْعَى، وفي الحديث: "لا تُعْمِرُوا، ولا تُرْقِبُوا، فمن أُعْمِرَ دارًا، أَو أُرْقِبَها، فهي له، ولورثته من بعده" (٢)، وهي العُمْرَى، والرُّقْبَى، يقال: أَعْمَرْتُه الدارَ عمْرَى؛ أَي: جعلتها له يسكنها مدة عُمره، فإِذا مات عادت إِليَّ، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية، فأَبطل ذلك، وأَعلمهم أَن من أُعْمِرَ شيئًا، أَو أُرْقِبَه في حياته، فهو لورثته مِن بعده، قال ابن الأَثير: وقد تعاضدت الروايات على ذلك، والفقهاءُ فيها مختلفون، فمنهم من يَعْمَل بظاهر الحديث، ويجعلها تمليكًا، ومنهم من يجعلها كالعارية، ويتأوّل الحديث، قال الأَزهريّ: والرُّقْبى أَن يقول للذي أُرْقِبَها: إِن مُتَّ قبلي رجعَتْ إِليَّ، وإِن مُتُّ قبلك فهي لك، وأَصل العُمْرَى مأَخوذ من العُمُر، وأَصل الرُّقْبَى من المُراقبة، فأَبطل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هذه الشروط، وأَمْضَى الهبة، قال: وهذا الحديث أَصل لكل من وهب هِبَة، فشَرَط فيها شرطًا بعدما قبضها الموهوب له أَن الهبة جائزة، والشرط باطل، وفي "الصحاح": أَعْمَرْتُه دارًا، أَو أَرضًا، أَو إبلًا، قال لبيد [من الطويل]:

وَمَا البِرُّ إِلَّا مُضْمَراتٌ من التُقَى … وما المالُ إِلا مُعْمَراتٌ وَدائِعُ

وما المالُ والأَهْلُون إِلا وَدائِعٌ … وَلَا بُدَّ يَوْمًا أَن تُرَدَّ الوَدائِعُ


(١) "الفتح" ٦/ ٤٧٩.
(٢) أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائيّ.