للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَي: ما البِرُّ إِلا ما تُضْمره وتخفيه في صدرك، ويقال: لك في هذه الدار عُمْرَى حتى تموت. انتهى (١).

وقال في "الفتح" بعد ذكر ما مضى من معنى العمرى والرقبى ما نصّه:

هذا أصلها لغةً، وأما شرعًا فالجمهور على أن العمرى إذا وقعت كانت ملكًا للآخذ، ولا ترجع إلى الأول إلا إن صَرَّح باشتراط ذلك، وذهب الجمهور إلى صحة العمرى، إلا ما حكاه أبو الطيب الطبريّ عن بعض الناس، والماورديّ عن داود وطائفة، لكن ابن حزم قال بصحتها، وهو شيخ الظاهرية.

ثم اختلفوا إلى ما يتوجه التمليك: فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة، كسائر الهبات، حتى لو كان الْمُعْمَرُ عبدًا فأعتقه الموهوب له نفذ، بخلاف الواهب، وقيل: يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة، وهو قول مالك، والشافعيّ في القديم، وهل يُسْلَك به مسلك العارية، أو الوقف؟ روايتان عند المالكية، وعن الحنفية التمليك في العمرى يتوجه إلى الرقبة، وفي الرُّقْبَى إلى المنفعة، وعنهم أنها باطلة. انتهى (٢).

قال الجامع: عندي قول الجمهور هو الأرجح، فكلّ من العمرى والرُّقبى تمليك للمعمَر، وللمرقب -بالفتح- وهما صحيحتان، فلا يرجعان إلى المعمرِ والمرقِبِ -بالكسر-؛ كما سنبيّنه آخر المسألة الرابعة إن شاء الله تعالى.

وقال في "الفتح" أيضًا عند قوله: "قضى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالعمرى أنها لمن وُهبت له": هو بفتح "أنها"؛ أي: قضى بأنها، وفي رواية الزهريّ، عن أبي سلمة عند مسلم: "أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه، فإنها للذي أُعطيها، لا ترجع إلى الذي أعطاها؛ لأنه أعطى عطاء، وَقَعت فيه المواريث"، هذا لفظه من طريق مالك، عن الزهريّ، وله نحوه من طريق ابن جريج، عن الزهريّ، وله من طريق الليث عنه: "فقد قطع قوله حقّه فيها، وهي لمن أُعمر، ولعقبه"، ولم يذكر التعليل الذي في آخره، وله من طريق معمر، عنه: "إنما العمرى التي أجازها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: هي لك ولعقبك، فأما الذي قال: هي لك ما عِشت، فإنها ترجع إلى صاحبها"، قال معمرٌ: كان الزهريّ يُفتي به، ولم يذكر


(١) "لسان العرب" ٤/ ٦٠١.
(٢) "الفتح" ٦/ ٤٧٩ - ٤٨٠.