للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد: أنه مسلسلٌ بالمدنيين من إسماعيل بن جعفر، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، والابن عن أبيه، وفيه أبو هريرة -رضي الله عنه- أحفظ من روى الحديث في دهره.

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (أَن رَجُلًا) لم أعرفه، ولا أباه (قَالَ لِلنِّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ أَبِي مَاتَ) لا يعارض هذا ما يأتي في حديث عائشة -رضى الله عنها- التالي: "إن أمي افتُلتت نفسُها"؛ لإمكان الجمع بحملهما على واقعتين، ويدلّ على ذلك قوله في هذا الحديث: "وَتَرَكَ مَالًا"؛ لأن أم سعد بن عبادة لم يكن لها مال، ولذا لما قيل لها: "أوصي، قالت فيم أوصي؟ المال مال سعد"، والله تعالى أعلم.

(وَتَرَكَ مَالًا، وَلَمْ يُوصِ، فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ) من التكفير، وهو التغطية، والمراد: محو ذنوبه (أَنْ أتصَدَّقَ عَنْهُ؟) "أن" مصدريّة، والمصدر المؤول فاعلُ "يكفّر"؛ أي: فهل يمحو عنه ذنوبه تصدّقك عنه؟.

وقال القرطبيّ رحمه الله: ظاهر قوله: "فهل يكفّر عنه أن أتصدق عنه" أنه عَلِمَ أن أباه كان فرَّط في صدقات واجبة، فسأل: هل يجزئ عنه أن يقوم بها عنه؛ فأجابه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "نعم"، وعلى هذا فيكون فيه دليل على أن من قام عن آخر بواجبٍ ماليٍّ في الحياة، أو بعد الموت أجزأ عنه، وهذا مما تجوز النيابة فيه بالإجماع، وأنه مما يُستحب، وخصوصًا في الآباء؛ فإنَّها مبالغة في بِرِّهم، والقيام بحقوقهم، وقد قال-صلى الله عليه وسلم-: "من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه (١) "، متّفقٌ عليه، وقد تقدم في كتاب الصوم. وإذا كان هذا في الصيام؛ كان الحقّ المالي بذلك أولى.

وقيل: إنَّما سأل: هل يُكفَّر بذلك خطاياه؟ ولا ينبغي أن يُظَنَّ بصحابيّ تفريط في زكاة واجبة إلى أن مات، فإن هذا بعيد في حقوقهم، فالأولى به أن يُحْمَل على أنَّه سأل: هل لأبيه أجر بذلك فيكفر عنه به؟ كما قال السائل الآخر في حقّ أمه: أفلها أجر؟.


(١) زاد القرطبيّ: "إن شاء"، وهي في رواية البزّار، وهي زيادة منكرة؛ لتفرّد ابن لَهيعة بها، كما قال الحافظ في "الفتح"، وقد أجاد الشيخ الألبانيّ رحمه الله في "تمام المنّة"، فراجعه.