للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ، إِلَّا مِنْ ثَلَاَثةٍ، إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ").

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الإسناد هو الإسناد المذكور أول الباب الماضي، وقد مضى بيانه هناك.

شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ)، وفي رواية: "ابن آدم" (انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ)؛ أي: ثواب عمله، ولمّا كان بمنزلةٍ انقطع الثواب من كلّ أعماله، تعلّق به قوله: (إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ)؛ أي: ثلاثة أعمال. وقيل: بل الاستثناء متعلّقٌ بالمفهوم؛ أي: ينقطع ابن آدم من كلّ عمل إلا من ثلاثة أعمال، والحاصل أن الاستثناء في الظاهر مشكلٌ، وبأحد الوجهين المذكورين يندفع الإشكال، قاله السنديّ رحمه الله في "شرح النسائيّ".

وقال القاضي عياضٌ رحمه الله: معناه أن عمل الميت منقطع بموته، لكن هذه الأشياء لمّا كان هو سببها، من اكتساب الولد، وبثّه للعلم عند من حَمَله عنه، أو إيداعه تأليفًا بقي بعده، وإيقافه هذه الصدقة، بقيت له أجورها ما بقيت، ووُجدت. انتهى (١).

وقال النوويّ رحمه الله: قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وتجدّد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة؛ لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلّفه، من تعليم، أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية، وهي الوقف. انتهى (٢).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله: هذه الثلاث الخصال إنما جرى عملها بعد الموت على من نُسبت إليه؛ لأنه تسبّب في ذلك، وحَرَصَ عليه، ونواه، ثم إن فوائدها متجدّدة بعده دائمة، فصار كأنه باشرها بالفعل، وكذلك حكم كلّ ما سنّه الإنسان من الخير، فتكرّر بعده، بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من سنّ سُنّةً في الإسلام حسنة، كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة"، رواه مسلم. وإنما


(١) "زهر الربى" ٦/ ٢٥١.
(٢) "شرح النوويّ" ١١/ ٨٧ - ٨٨.