للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

خصّ هذه الثلاثة بالذكر في هذا الحديث؛ لأنها أصول الخير، وأغلب ما يَقصد أهل الفضل بقاءه بعدهم، والصدقة الجارية بعد الموت هي: الْحُبُسُ، فكان حجةَ على من يُنكر الْحُبُس. وفيه ما يدلّ على الحضّ على تخليد العلوم الدينيّة بالتعليم، والتصنيف، وعلى الاجتهاد في حمل الأولاد على طريق الخير والصلاح، ووصيّتهم بالدعاء عند موته، وبعد الموت. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).

(إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ) بدل تفصيل من مجمل "إِلَّا من ثلاثة"، ومعنى "جارية"؛ أي: غير منقطعة؛ كالوقف، أو ما يُديم الوليّ إجراءها عنه، وقيل: لبقاء ثمرات الأعمال بقي ثوابها (أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ) بالبناء للمفعول؛ أي: يحصل نفعه للناس، كأن يعلّم شخصًا، فيقوم ذلك الشخص بنشر ذلك العلم بعد موته، أو يصنّف كتابًا، فينتفع به الناس بعد موته.

وذكر القاضي تاج الدين السبكيّ رحمه الله: أن حمل العلم المذكور على التأليف أقوى؛ لأنه أطول مدّة، وأبقى على ممرّ الزمان، ورأيت من تكلّم على هذا الحديث في كرّاسة، قال الأخنائيّ في "كتاب البُشْرَى بما يَلحَق الميت من الثواب في الدار الأخرى": قوله: "وعلم يُنتفع به" هو ما خلّفه من تعليم، أو تصنيف، وروايةٍ، وربّما دخل في ذلك نَسْخُ الكتاب، وتسطيرها، وضبطها، ومقابلتها، وتحريرها، والإتقان لها بالسماع، وكتابة الطبقات، وشراء الكتب المشتملة على ذلك، ولكن شرطه أن يكون منتفعًا به. انتهى (٢).

(أَوْ وَلَدٍ صَالِحِ يَدْعُو لَهُ") قال السنديّ رحمه الله: وفي عدّ الولد من الأعمال تجوّزٌ، لا يخفى. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: جعل الشارع الولد من جملة كسب الإنسان، فقد أخرج ابن ماجه بإسناد صحيح، من حديث عائشة -رضي الله عنها-، مرفوعًا: "إن أطيب ما أكل الإنسان من كسب يده، وإن ولده من كسبه"، فسمّاه كسبًا، كما عدّه في هذا الحديث من أعماله، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.


(١) "المفهم" ٤/ ٥٥٤ - ٥٥٥.
(٢) راجع: "زهر الرُّبَى في شرح المجتبى" للسيوطيّ رحمه الله ٦/ ٢٥١ - ٢٥٢.