قال: وهذا القول يخالف السُّنّة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع الصحابة -رضي الله عنهم-، فإن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر في وقفه:"لا يباع أصلها، ولا يبتاع، ولا يوهب، ولا يورث"، قال الترمذيّ رحمه الله: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم، من أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، لا نعلم بين أحد من المتقدمين منهم في ذلك اختلافًا.
قال الحميديّ: تصدق أبو بكر -رضي الله عنه- بداره على ولده، وعمر بربعه عند المروة على ولده، وعثمان برُومة، وتصدق عليّ بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة، وداره بمصر، وأمواله بالمدينة على ولده، وتصدق سعد بداره بالمدينة، وداره بمصر على ولده، وعمرو بن العاص بالوَهْط، وداره بمكة على ولده، وحكيم بن حزام بداره بمكة، والمدينة، على ولده، فذلك كله إلى اليوم.
وقال جابر -رضي الله عنه-: لم يكن أحد من أصحاب النبيّ ذو مقدرة إلا وقف، وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر منهم على الوقف وَقَفَ، واشتَهَر ذلك، فلم ينكره أحدٌ، فكان إجماعًا.
ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية، فإذا نَجَّزه حال الحياة لزم من غير حكم؛ كالعتق.
وحديث عبد الله بن زيد إن ثبت فليس فيه ذكر الوقف، والظاهر أنه جعله صدقة غير موقوف، استناب فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأى والديه أحق الناس بصرفها إليهما، ولهذا لم يردّها عليه إنما دفعها إليهما.
ويَحْتَمِل أن الحائط كان لهما، وكان هو يتصرف فيه بحكم النيابة عنهما، فتصرف بهذا التصرف بغير إذنهما، فلم ينفِّذاه، وأتيا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فردّه إليهما.
والقياس على الصدقة لا يصحّ؛ لأنها تلزم في الحياة بغير حكم حاكم، وإنما تفتقر إلى القبض، والوقف لا يفتقر إليه، فافترقا. انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.