ولذي الرحم، وكالصدقة، ولأنه قد أُجمع على تحبيس المساجد من غير حكم، ولا فرق بين تحبيسها، وتحبيس العقار، لا سيّما على الفقراء والمساكين.
وإذا ثبت هذا، فالْحُبْس لازم في كلّ شيء، تمكن العطيّة فيه، واختُلف عن مالك في تحبيس الحيوان؛ كالإبل، والخيل، على قولين: المنع، وبه قال أبو حنيفة، وأبو يوسف. والصحّة، وبه قال الشافعيّ، وهو الصحيح؛ لأنه عطيّةٌ على وجه القربة، يتكرّر أجرها؛ كالعقار وغيره؛ ولأن المسلمين على شروطهم، وقد شرط صاحب الفرس في صدقته أنها لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، فينفذ شرطه.
قال: فإذا فهمت هذا، فاعلم أن الألفاظ الواقعة في هذا الباب إما أن يقترن معها ما يدلّ على التأبيد، أو لا.
فالأول: نحو قوله: لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، أو أبدًا، أو دائمًا، أو على مجهولين، أو على العقب، فهذا النوع لا يبالى بأي لفظ نُسق معه؛ لأنه يفيد ذلك المعنى؛ كقوله: وقفٌ، أو حبسٌ، أو صدقةٌ، أو عطيّةٌ.
والثاني: وهو إذا تجرّد عما يدلّ على ذلك، فلفظ الوقف صريح الباب، فيقتضي التأبيد، والتحريم، ولم يختلف المذهب في ذلك. وفي الحبس روايتان: إحداهما أنه كالوقف. والثانية: أنه يرجع إلى المحبّس بعد موت المحبَّس عليه، والظاهر الأول؛ لأنه يُستعمل في ذلك شرعًا، وعرفًا.
وأما الصدقة، فالظاهر منها أنها تمليك الرقبة. وفي رواية أنها كالوقف، وفيها بُعْد، إلا عند القرينة. واختُلف فيما لو جمع بينهما، فقال: حُبْسٌ صدقةٌ، والظاهر أن حكمه حكم الْحُبُس، وصدقة تأكيدٌ. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله، وهو بحث نفيس.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من ذكر المذاهب وأدلّتها أن الحقّ ما ذهب إليه الجمهور من جواز الوقف مطلقًا، سواء كان عقارًا، أم منقولًا؛ كالحيوان، أو المصاحف، أو نحو ذلك؛ لعموم الأدلة، وأن الوقف لا يباع، ويوهب، ولا يورث، وإنما يُتّبع فيه شروط الواقف، كما دلّ عليه حديث قصّة عمر -رضي الله عنه-، وما ذهب إليه أبو حنيفة، وبعض طائفة، من جواز