إلا التأبيد، حتى يصرّح بالشرط عند من يذهب إليه، وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها:"حبيسٌ ما دامت السماوات والأرض".
قال القرطبيّ: ردّ الوقف مخالف للإجماع، فلا يُلتفت إليه، وأحسن ما يُعتذر به عمن ردّه ما قاله أبو يوسف، فإنه أعلم بأبي حنيفة من غيره.
وأشار الشافعيّ إلى أن الوقف من خصائص أهل الإسلام؛ أي: وقف الأراضي والعقار، قال: ولا نعرف أن ذلك وقع في الجاهليّة، وحقيقة الوقف شرعًا ورود صيغة تقطع تصرّف الواقف في رقبة الموقوف الذي يدوم الانتفاع به، وتثبت صرف منفعته في جهة خير، قاله في "الفتح"(١).
وقال أبو العباس القرطبيّ رحمه الله في "المفهم" ما حاصله: حديث عمر -رضي الله عنه- دليلٌ للجمهور على جواز الحُبْس، وصحّته، وردٌّ على من شَذَّ، وَمَنَعَهُ، وهذا خلافٌ لا يُلتفت إليه، فإن قائله خَرَقَ إجماع المسلمين في المساجد، والسقايات؛ إذ لا خلاف في ذلك، وهو أيضًا حجة للجمهور على قولهم: إن الْحُبْس لازم، وإن لم يقترن به حكم حاكم، وخالف في ذلك أبو حنيفة، وزُفر، فقالا: لا يلزم، وهو عطيّةٌ يرجع فيها صاحبها، وتورث عنه، إلا أن يحكم به حاكم، أو يكون مسجدًا، أو سقاية، أو يوصي به، فيكون من ثلثه، ووجه الحجة عليه من هذا الحديث أن عمر -رضي الله عنه- لَمّا فَهِم عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إشارته بالتحبيس بادر إلى ذلك بحضرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقال: إنه لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، ثم إنه أمضى ذلك من غير أن يحكم به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، إذ لم يصدر من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أكثر من الإشارة.
وأيضًا فإن الصحابة -رضي الله عنهم- قد أجمعت على ذلك من غير خلاف بينهم فيه، فقد حبس الأئمة الأربعة، وطلحة، وزيد بن ثابت، والزبير، وابن عمر، وخالد بن الوليد، وأبو رافع، وعائشة، وغيرهم -رضي الله عنهم-، واستمرّت أحباسهم معمولًا بها على وجه الدهر، من غير أن يقف شيء من ذلك على حكم حاكم، ولم يُحك أن شيئًا من تلك الأحباس رجعت إلى المحبِّسِ، ولا إلى ورثته.
ومن جهة المعنى، فإنها عطيّةٌ على وجه القربة، فتلزم؛ كالهبة للمساكين،