الواقف إذا لم يشترط للناظر قَدْر عمله جاز له بقدر عمله، ولو اشترط الواقف لنفسه النظر، واشترط أجرة، ففي صحّة هذا الشرط عند الشافعيّة خلاف؛ كالهاشميّ إذا عمل في الزكاة، هل يأخذ من سهم العاملين؟ والراجح الجواز، ويؤيّده حديث عثمان -رضي الله عنه- المذكور، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الوقف:
قال في "الفتح": حديث عمر -رضي الله عنه- هذا أصل في مشروعيّة الوقف، قال أحمد: حدّثنا حماد -وهو ابن خالد- حدّثنا عبد الله -وهو العمريّ-، عن نافع، عن ابن عمر، قال:"أول صدقة -أي: موقوفة- كانت في الإسلام صدقة عمر".
وروى عمر بن شبّة، عن عمرو بن سعد بن معاذ، قال:"سألنا عن أول حبس في الإسلام، فقال المهاجرون: صدقة عمر، وقال الأنصار: صدقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وفي إسناده الواقديّ.
وفي "مغازي الواقديّ": أن أول صدقة موقوفة، كانت في الإسلام أراضي مُخيريق -بالمعجمة، مصغّرًا- التي أوصى بها للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فوقفها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
قال الترمذيّ: لا نعلم بين الصحابة، والمتقدّمين، من أهل العلم، خلافًا في جواز وقف الأرضين، وجاء عن شُريح أنه أنكر الحبس، ومنهم من تأوّله، وقال أبو حنيفة: لا يلزم، وخالفه جميع أصحابه، إلا زفر بن الهذيل، فحَكَى الطحاويّ، عن عيسى بن أبان، قال: كان أبو يوسف يُجيز بيع الوقف، فبلغه حديث عمر هذا، فقال: من سمع هذا من ابن عون؟ فحدّثه به ابن عُليّة، فقال: هذا لا يسع أحدًا خلافه، ولو بلغ أبا حنيفة لقال به، فرجع عن بيع الوقف حتى صار كأنه لا خلاف فيه بين أحد. انتهى.
ومع حكاية الطحاويّ هذا، فقد انتصر كعادته، فقال: قوله في قصّة عمر: "حبّس الأصل، وسبّل الثمرة" لا يستلزم التأبيد، بل يَحْتَمِل أن يكون أراد مدّة اختياره لذلك. انتهى.
ولا يخفى ضَعف هذا التأويل، ولا يُفهم من قوله:"وقفت، وحبست"