للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(وَمَا شَعَرْتُ) بفتح العين؛ أي: علمت، يقال: شعرتُ بالشيء أشعُر شُعُورًا، من باب قَعَد، وشِعْرًا، وشِعْرةً -بكسرهما-: عَلِمتُ (١)؛ أي: وما علمت (أَنَّهُ) -صلى الله عليه وسلم- (مَاتَ، فَمَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ؟) إلى عليّ -رضي الله عنه- كما يزعمون، فهذا استفهام إنكاريّ لزعمهم، ولفظ النسائيّ: "فإلى من أوصى؟ "؛ أي: إلى أي شخص عَهِد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالخلافة؟ تريد بذلك الإنكار على من قالوا: إنه -صلى الله عليه وسلم- أوصى إلى عليّ -رضي الله عنه- بالخلافة في مرض موته، وقد استندت في نفي ذلك إلى ملازمتها له في مرض موته إلى أن مات في حجرها، ولم يقع منه شيء من ذلك، فساغ لها نفي ذلك؛ لكونه منحصرًا في مجالس معيّنة لم تغب عن شيء منها.

وقال القرطبيّ رحمه الله: وقد أكثرَ الشِّيعةُ والرَّوافض من الأحاديث الباطلة الكاذبة، واخترعوا نصوصًا على استخلاف النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عليًّا، وادعوا أنَّها تواترت عندهم، وهذا كلُّه كذبٌ مركبٌ، ولو كان شيء من ذلك صحيحًا، أو معروفًا عند الصحابة -رضي الله عنهم- يوم السَّقيفة لذكروه، ولرجعوا إليه، ولذكره عليٌّ -رضي الله عنه- مُحتجًّا لنفسه، ولَمَا حَلّ أن يسكت عن مثل ذلك بوجه، فإنَّه حقّ الله تعالى، وحق نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، وحقّ المسلمين، ثم ما يُعْلَم من عظيم عِلْم عليٍّ -رضي الله عنه-، وصلابته في الدين، وشجاعته يقتضي ألا يتَّقِي أحدًا في دين الله كما لم يتَّقِ معاويةَ، وأهل الشام حين خالفوه، ثم إنه لما قُتِل عثمان -رضي الله عنه- ولَّى المسلمون باجتهادهم عليًّا، ولم يذكر هو، ولا أحدٌ منهم نصًّا في ذلك، فعُلم قطعًا كذب من ادّعاه، وما التوفيق إلا من عند الله. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قال القرطبيّ (٣): كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أوصى بالخلافة لعليّ -رضي الله عنه-، فرَدّ عليهم جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- ذلك، وكذا مَن بعدهم، فمن ذلك ما استَدَلّت به عائشة -رضي الله عنها- في هذا الحديث، ومن ذلك أن عليًّا لم يَدَّعِ ذلك لنفسه، ولا بعد أن وَلِي الخلافة، ولا ذكره


(١) "المصباح" ١/ ٣١٥.
(٢) "المفهم" ٤/ ٥٥٧.
(٣) قال الجامع: كلام القرطبيّ قد سبق نقله بنصّه، وأما ما ذكره في "الفتح"، فإنما تصرّف في كلامه، وصاغه بما فهمه منه، فتنبّه.