(المسألة الثالثة): هذا الحديث صريح في كونه -صلى الله عليه وسلم- مات في حجر عائشة -رضي الله عنها-، وأما ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- مات في حجر عليّ فليس بثابت، بل هو مما روّجه الرافضة، وأهل الباطل، ولقد أجاد الحافظ رحمه الله في ردّه، حيث قال -بعد ذكر حديث عائشة المذكور هنا- ما نصّه: هذا الحديث يعارض ما أخرجه الحاكم، وابن سعد من طُرُق أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مات ورأسه في حجر عليّ، وكل طريق منها لا يخلو من شِيعِيّ، فلا يلتفت إليهم، وقد رأيت بيان حال الأحاديث التي أشرت إليها؛ دفعًا لتوهّم التعصب.
قال ابن سعد:"ذِكرُ من قال: تُوُفّي في حجر عليّ"، وساق من حديث جابر: سأل كعبُ الأحبار عليًّا: ما كان آخر ما تكلم به -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أسندته إلى صدري، فوضع رأسه على منكبي، فقال:"الصلاة الصلاة"، فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء. وفي سنده الواقديّ، وحَرَام بن عثمان، وهما متروكان.
وعن الواقديّ عن عبد الله بن محمد بن عمر بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه:"ادعوا إليّ أخي"، فدعي له عليّ، فقال:"ادنُ مني"، قال: فلم يزل مستندًا إليّ، وإنه ليكلمني حتى نزل به، وثَقُل في حجري، فصِحْتُ: يا عباس أدركني، فإني هالك، فجاء العباس، فكان جهدهما جميعًا أن أضجعاه. فيه انقطاع، مع الواقديّ، وعبد الله فيه لين.
وبه عن أبيه، عن عليّ بن الحسين:"قُبِض، ورأسه في حجر عليّ"، فيه انقطاع. وعن الواقديّ، عن أبي الحويرث، عن أبيه، عن الشعبيّ:"مات، ورأسه في حجر عليّ"، فيه الواقديّ والانقطاع، وأبو الحويرث اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن الحارث المدنيّ، قال مالك: ليس بثقة، وأبوه لا يُعرف حاله.
وعن الواقديّ، عن سليمان بن داود بن الحصين، عن أبيه، عن أبي غطفان: سألت ابن عباس، قال: تُوُفّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو إلى صدر عليّ، قال: فقلت: فإن عروة حدّثني عن عائشة، قالت: تُوُفّي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بين سَحْري، ونَحْري، فقال ابن عباس: لقد تُوُفّي، وإنه لمستند إلى صدر عليّ، وهو الذي غسَّله، وأخي الفضل، وأَبِي أَبَى أن يحضر. فيه الواقديّ، وسليمان لا يُعرف