للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ثُمَّ بَكَى) ابن عبّاس -رضي الله عنهما- (حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى) وفي رواية طلحة بن مصرف التالية: "ثم جَعَل تسيل دموعه حتى رأيتها على خديه كأنها نظام اللؤلؤ"، وللبخاريّ في أواخر "الجهاد": "ثم بكى حتى خَضَبَ دمعه الحصى".

قال في "الفتح": وبكاء ابن عباس -رضي الله عنهما- هذا يَحْتَمِل لكونه تذكّر وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتجدّد له الحزن عليه، وَيحْتَمِل أن يكون انضاف إلى ذلك ما فات في مُعْتَقَده من الخير الذي كان يحصل لو كُتب ذلك الكتاب، ولهذا أطلق في الرواية الثالثة: أن ذلك رَزِيّة، ثم بالغ فيها، فقال: كُلّ الرزيّة. انتهى (١).

قال سعيد بن جبير (فَقُلْتُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟)؛ أي: أيّ شيء حصل فيه، حتى فخّمت شأنه؟ (قَالَ) ابن عبّاس -رضي الله عنهما- (اشْتَدُّ بِرَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) ببناء الفعل للفاعل، وقوله: (وَجَعُهُ) مرفوع على الفاعليّة، زاد عند البخاريّ في "الجهاد": "يومَ الخميس"، وهذا يؤيّد أن ابتداء مرضه -صلى الله عليه وسلم- كان قبل ذلك، ووقع في الرواية الثالثة: "لَمّا حُضِر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"- بضم الحاء المهملة، وكسر الضاد المعجمة-؛ أي: حضره الموت، وفي إطلاق ذلك تجوّز، فإنه عاش بعد ذلك إلى يوم الاثنين، قاله في "الفتح" (٢).

(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("ائْتُوني، أكتُبْ لَكُمْ كتَابًا) قال القرطبيّ -رحمه الله-: هذا الأمر الذي همَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابته يَحْتَمِل أن يكون تفصيل أمور مهمَّةٍ، وقعت في الشريعة مجملةً، فأراد تعيينها، وَيَحْتَمِل أن يريد به بيان ما يرجعون إليه عند وقوع الفتن، ومَن أَوْلى بالاتباع والمبايعة، وَيحْتَمِل أن يريد به بيان أمر الخلافة، وتعيين الخليفة بعده، وهذا أقربها، والله أعلم. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي مال إليه القرطبيّ -رحمه الله- من كون الذي أراد -صلى الله عليه وسلم- كتابته هو تعيينَ الخليفة بعده هو الأرجح؛ لأنه يؤيّد ذلك ما يأتي لمسلم في "الفضائل"، عن عائشة -رضي الله عنهما-، قالت: قال لي رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في


(١) "الفتح" ٩/ ٥٩٠ - ٥٩١.
(٢) " الفتح" ٩/ ٥٩٠ - ٥٩١، كتاب "المغازي" رقم (٤٤٣١).
(٣) "المفهم" ٤/ ٥٥٨.