للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مَرَضِهِ: "ادْعِي لي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ، حتى أكتب كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنِّ، وَيَقُولَ قَائِلٌ: أنا أَوْلَى، وَيَأبَى الله، وَالْمُومِنُونَ إلا أَبَا بَكْرٍ".

وفي رواية للبزّار: "معاذ الله أن يختلف الناس على أبي بكر".

(لَا تَضِلُّوا بَعْدِي")، وفي رواية طلحة بن مصرّف التالية: "لن تضلّوا بعده أبدًا وفي رواية عبيد الله الثالثة: "هَلُمّ أكتب لكم كتابًا لا تضلُّوا بعده وللبخاريّ: "هلمّوا أكتب لكم كتابًا، لا تضلّوا بعده".

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ائتوني أكتب لكم كتابًا لا تضلون بعده" لا شكّ في أن "ائتوني" أمرٌ وطلبٌ توجَّه لكل من حضر، فكان حقّ كل من حضر المبادرةُ للامتثال، ولا سيما وقد قرنه بقوله: "لا تضلُّون بعده"، لكن ظهر لعمر -رضي الله عنه- ولطائفة معه أن هذا الأمر ليس على الوجوب، وأنَّه من باب الإرشاد إلى الأصلح، مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء، كما قال تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} الآية [النحل: ٨٩]، مع ما كان فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوجع، فكره أن يتكلَّف من ذلك ما يشقّ ويثقل عليه، فظهر لهم: أن الأوَّلى ألا يكتب، وأرادت الطائفة الأخرى أن يكتب، متمسِّكةً بظاهر الأمر، واغتنامًا لزيادة الإيضاح، ورفع الإشكال، فيا ليتَ ذلك لو وقع وحصلَ! ولكن قدَّر الله، وما شاءَ فعل، ومع ذلك: فلا عتب، ولا لوم على الطائفة الأولى؛ إذ لم يعنّفهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا ذمَّهم، بل قال للجميع: "دعوني، فالذي أنا فيه خير"، وهذا نحو مِمَّا جرى لهم حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب: "لا يصلّين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة"، فتخوَّف ناسٌ فوت الوقت، فصَلَّوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلِّي إلا حيث أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن فاتنا الوقت، قال: فما عنَّف واحدًا من الفريقين.

وسبب ذلك: أن ذلك كله إنَّما حمل عليه الاجتهاد المسوَّغ، والقصد الصالح، وكل مجتهد مصيب (١)، أو أحدهما مصيب، والآخر غير مأثوم، بل


(١) هذا غير صحيح، بل الصحيح أن المصيب واحد، ولكن غيره لا يأثم، بل يؤجر على اجتهاده، وقد أوضحت هذا أتم إيضاح في "التحفة المرضيّة"، و"شرحها"، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.