مأجور، كما قررناه في الأصول. انتهى كلام القرطبيّ (١).
قال الجامع عفا الله عنه: الصواب أن ما قاله عمر -رضي الله عنه- ومن تبعه من عدم الكتابة هو الحقّ؛ لتقرير النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وعدم نزول الوحي بنقضه، فإن هذا القول صدر منه -صلى الله عليه وسلم- يوم الخميس، وتُوفّي يوم الاثنين، فلو كان في الكتابة خير لَمَا سكت عنه، فالذي نعتقده أن الله -عز وجل- أمره -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب لهم كتابًا يعتمدون عليه بعد موته، إن رأوا ذلك، وإلا فكتاب الله تعالى فيه الكفاية التامّة، فلمّا عرض عليهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذلك اختلفوا فيه، فعلم بذلك أنه لا حاجة إليه، فتركه، وهذا نظير قوله -صلى الله عليه وسلم- لعائشة:"ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابًا … " الحديث، ثم ترك ذلك، وقال:"يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"، وفي رواية:"معاذ الله أن يختلف الناس على أبي بكر"، كما تقدّم، فتبيّن بهذا أن عدم الكتابة فيه الخير.
وهذا نظير ما ثبت في "الصحيحين" أنه -صلى الله عليه وسلم- أُري ليلة القدر، فأراد أن يخبر الناس بها، فخرج لذلك، فتنازع رجلان، فرُفِعت، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان، فرُفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم … " الحديث، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(فَتَنَازَعُوا)؛ أي: اختلف الصحابة الحاضرون لديه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، ففي رواية عبيد الله الثالثة:"فقال عمر: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت، فاختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتابًا لن تضلّوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر".
وقوله:(وَمَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ) قال في "الفتح": هو من جملة الحديث المرفوع، وَيحْتَمل أن يكون مدرجًا من قول ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، والصواب الأول، فقد وقع عند البخاريّ في "العلم" بلفظ: "ولا ينبغي عندي التنازع".
والمعنى: أنه -صلى الله عليه وسلم- لَمّا رأى تنازعهم في ذلك قال لهم: "وما ينبغي عندي