تنازع"، وفي رواية عبيد الله: "فلَمّا أكثروا اللغو، والاختلاف عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قوموا". (وَقَالُوا: مَا شَأنهُ؟ أَهَجَرَ؟ استفْهِمُوهُ)؛ أي: اطلبوا منه فَهْم ما قاله في شأن الكتاب، قال في "الفتح": قوله: "فقالوا: ما شأنه؟ أَهَجَر؟، بهمزة لجميع رواة البخاريّ، وفي الرواية التي في الجهاد بلفظ:"فقالوا: هجر" بغير همزة، ووقع للكشميهنيّ هناك:"فقالوا: هَجَرَ هَجَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أعاد "هجر" مرتين.
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: وقوله: "أهجرَ؟ استفهموه" كذا الرّواية الصحيحة في هذا الحرف "أهَجَرَ؟ " بهمزة الاستفهام، "وهَجَرَ" بالفتح بغير تنوين، على أنَّه فعل ماض، وقد رواه بعضهم:"اْهُجُرًا" بفتح الهمزة، وبضم الهاء، وتنوين الراء، على أن يجعله مفعولًا بفعل مضمر؛ أي: أقال هُجْرًا، وقد رُوي في غير مسلم:"هَجَرَ" بلا استفهام، والهَجْر: يراد به هذيان المريض، وهو الكلام الذي لا ينتظم، ولا يُعتدّ به؛ لعدم فائدته، ووقوع مثل هذا من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حال مرضه، أو صحته محال؛ لأن الله تعالى حَفِظَه من حين بعثه إلى حين قبضه عمَّا يُخِلّ بالتبليغ، ألا تسمع قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٣، ٤]، وقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩]، وقد شَهِد له بأنه على صراط مستقيم، وأنه على الحقّ المبين، إلى غير ذلك. ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا عني في الغضب والرضا، فإني لا أقول على الله إلا حقًّا"(١)، ولما علم أصحابه هذا كانوا يأخذون عنه ما يقوله في كل حالاته، حتَّى في هذه الحالة، فإنهم تلقَّوا عنه، وقبلوا منه جميع ما وصَّى به عند موته، وعملوا على قوله:"لا نورث"، ولقوله:"أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، و"أجزوا الوفد بنحو ما كنت
(١) حديث صحيح، رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٢/ ١٦٢ عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر، يتكلم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "اكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حقّ". انتهى.