للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أجيزهم"، إلى غير ذلك، ولم يتوقفوا، ولا شكُّوا في شيء منه.

وعلى هذا: يستحيل أن يكون قولهم: أَهَجَرَ، لشكٍّ عَرَضَ لهم في صحة قوله زمن مرضه، وإنَّما كان ذلك من بعضهم على جهة الإنكار على من توقف في إحضار الكتف والدواة، وتلكَّأ عنه، فكأنه يقول لمن توقف: كيف تتوقف، أتظن: أنه قال هذيانًا؟ فدع التوقف وقرِّب الكتفَ، فإنه إنما يقول الحق، لا الْهَجْرَ، وهذا أحسنُ ما يُحْمَل ذلك عليه، فلو قدَّرنا: أن أحدًا منهم قال ذلك عن شكّ عرض له في صحَّة قوله؛ كان خطأ منه، وبعيدٌ أن يقرَّه على ذلك القول من كان هناك ممن سمعه من خيار الصحابة وكبرائهم، وفضلائهم، هذا تقديرٌ بعيد، ورأيٌّ غير سديد.

ويحتمل: أن يكون هذا صدَرَ عن قائله عن دهشٍ وحيرةٍ أصابه في ذلك المقام العظيم، والمصاب الجسيم، كما قد أصاب عمر وغيره عند موته. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه الله- (١).

وقال في "الفتح": قال القاضي عياض: معنى أهجر: أفحش، يقال: هجر الرجل: إذا هَذِيَ، وأهجر: إذا أفحش.

وتُعُقّب بأنه يستلزم أن يكون بسكون الهاء، والروايات كلها إنما هي بفتحها، وقد تكلم عياض وغيره على هذا الموضع، فأطالوا، ولخصه القرطبيّ تلخيصًا حسنًا، ثم لخصته من كلامه.

وحاصله أن قوله: "هَجَرَ" الراجح فيه إثبات همزة الاستفهام، وبفتحات، على أنه فعل ماض، قال: ولبعضهم: "أَهُجْرًا" بضم الهاء، وسكون الجيم، والتنوين، على أنه مفعول بفعل مضمر؛ أي: قال هُجْرًا، والهجر بالضم، ثم السكون: الهذيان، والمراد به هنا ما يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم، ولا يُعْتَدّ به؛ لعدم فائدته، ووقوعُ ذلك من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مستحيل؛ لأنه معصوم في صحته ومرضه؛ لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)}، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لا أقول في الغضب والرضا إلا حقًّا".

وإذا عُرِف ذلك فإنما قاله من قاله مُنكِرًا على من توقف في امتثال أمره


(١) "المفهم" ٤/ ٥٥٩ - ٥٦٠.