للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويَحْتَمِل أن يكون قصد التخفيف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَمّا رأى ما هو فيه من شدة الكرب، وقامت عنده قرينة بأن الذي أراد كتابته ليس مما لا يستغنون عنه؛ إذ لو كان من هذا القبيل لم يتركه -صلى الله عليه وسلم- لأجل اختلافهم.

قال: ولا يعارض ذلك قول ابن عباس: "إن الرزية … إلخ"؛ لأن عمر كان أفقه منه قطعًا.

قال الجامع عفا الله عنه: قد أجاد النوويّ -رحمه الله- في تحقيقه الجواب الشافي الكافي في هذه المسألة، فقد أشار إلى أن فقه عمر -رضي الله عنه- أحقّ بالصواب، فإن كتاب الله فيه الكفاية التامة، وأيضًا فقد رأى -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- لو نصّ على شخص معيّن، فاختلف فيه الناس بعد التنصيص، فإنه يكون سببًا لنزول العقوبة عليهم، كما جرت بذلك سُنَّة الله في الأمم السالفة، بخلاف ما إذا كان أمرًا اجتهاديًّا، فإن الخلاف فيه هيّن يُعذر المخطئ، بل يؤجر عليه.

وأيضًا فإن في ترك الكتابة مصالحَ فتح باب الاجتهاد للعلماء، فيحصل لهم الأجر والمثوبة في ذلك.

وأيضًا راعى -رضي الله عنه- حالة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإنه في حال شدّة المرض، فلا ينبغي زيادة العناء عليه بشيء غير ضروريّ؛ إذ لو كانت الكتابة ضروريّة لَمَا تركها -صلى الله عليه وسلم- من يوم الخميس إلى يوم الاثنين، فتأمل أيها اللبيب هذا كلّه حقّ التأمل يظهر لك وجه الصواب، وبالله تعالى التوفيق.

وقال الخطابيّ: لم يتوهم عمر الغلط فيما كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يريد كتابته، بل امتناعه محمول على أنه لَمّا رأى ما هو فيه من الكرب، وحضور الموت، خَشِي أن يجد المنافقون سبيلًا إلى الطعن فيما يكتبه، وإلى حمله على تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الاتفاق، فكان ذلك سبب توقف عمر، لا أنه تعمد مخالفة قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا جواز وقوع الغلط عليه، حاشا وكلّا. انتهى.

قال الجامع: ينبغي أن يزاد في قول الخطابيّ أن عمر مع رؤيته ما ذُكر رأى أن الكتابة ليست ضروريّة؛ لأن في كتاب الله ما يغنينا عنها، بل هي كانت مجرّد إيضاح وبيان، فلا ينبغي زيادة المشقّة عليه، فليُتنبّه، والله تعالى أعلم بالصواب.