كلاهما عن الزهريّ، على الوجهين، قال الحافظ -رحمه الله- ما حاصله: إن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- لم يشهد القصّة؛ لأنها وقعت سنة خمس، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الجندل، وابن عبّاس في ذلك الوقت كان مع أبويه بمكة، فالذي يظهر أنه سمعه من سعد بن عبادة -رضي الله عنه-، فيتعيّن ترجيح رواية من زاد فيه: عن سعد بن عبادة، ويكون ابن عباس قد أخذه عنه.
قال: ويَحْتَمِل أن يكون أخذه عن غيره، ويكون قول من قال: عن سعد بن عبادة، لم يقصد به الرواية، وإنما أراد عن قصة سعد بن عبادة، فتتّحد الروايتان. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الاحتمال الثاني يُبعده ما عند النسائيّ من رواية محمد بن عبد الله بن يزيد، عن سفيان، بلفظ:"عن ابن عبّاس، عن سعد أنه قال: ماتت أمي، وعليها نذر، فسألت النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأمرني أن أقضيه عنها"، فإنه ظاهرٌ في كون ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أخذه عن سعد -رضي الله عنه-، والله تعالى أعلم.
(فِي نَذْرٍ) متعلّق بـ "استَفْتَى"، وقوله:(كَانَ عَلَى أُمِّهِ) في محلّ جرّ صفة لـ "نذر"، وكذا جملة قوله:(تُوُفِّيَتْ) بالبناء للمفعول؛ أي: ماتت أمه (قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ)؛ أي: قبل أن تؤدّي ذلك النذر الذي نذرته.
وفي رواية البخاريّ:"فقال: إن أمي ماتت، وعليها نذرٌ؟ "، زاد في رواية قتيبة، عن مالك:"لم تقضه" (قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَاقْضِهِ عَنْهَا")، وفي رواية سليمان بن كثير المذكورة:"أفيجزئ عنها أن أُعتق عنها؟ قال: أعتق عن أمك"، فأفادت هذه الرواية بيان ما هو النذر المذكور، وهو أنها نذرت أن تُعتق رقبة، فماتت قبل أن تفعل.
ويَحْتَمِل أن تكون نذرت نذرًا مطلقًا غير معيَّن، فيكون في الحديث حجةٌ لمن أفتى في النذر المطلق بكفارة يمين، والعتق أعلى كفارات الأيمان، فلذلك أمره -صلى الله عليه وسلم- أن يُعتق عنها.
وحَكَى ابن عبد البر عن بعضهم أن النذر الذي كان على والدة سعد