للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يكن الله قدّره له، ولكن النذر يوافق القدر، فيُخرَج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يُخرِج".

وقال في "الفتح" عند قوله: "لا يأتي بخير أي: أنّ عقباه لا تُحمَد، وقد يتعذّر الوفاء به، وقد يكون معناه: لا يكون سببًا لخير لم يُقدّر، كما في الحديث، وبهذا الاحتمال الأخير صدّر ابن دقيق العيد كلامه، فقال: يَحْتَمِل أن تكون الباء للسببيّة؛ كأنه قال: لا يأتي بسبب خير في نفس الناذر، وطبعه في طلب القربة، والطاعة من غير عِوَض يحصل له، وإن كان يترتّب عليه خير، وهو فعل الطاعة التي نذرها، لكن سبب ذلك الخير حصول غرضه. انتهى.

(وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ) بالبناء للمجهول (مِنَ الشَّحِيحِ")، وفي الرواية التالية: "من البخيل"، وفي رواية ابن ماجه: "من اللئيم"، ومدار الجميع على منصور بن المعتمر، عن عبد الله بن مرّة، فالاختلاف في اللفظ المذكور من الرواة عن منصور، والمعاني متقاربة؛ لأن الشحّ أخصّ، واللؤم أعمّ، قال الراغب الأصفهانيّ: البخل إمساك الْمُقْتَنَيات عمّا لا يَحِقُّ حبسها، والشحّ بخلٌ مع حرص، واللؤم فعل ما يلام عليه. انتهى (١).

وقال البيضاويّ: عادة الناس تعليق النذر على تحصيل منفعة، أو دفع مضرّة، فنُهي عنه؛ لأنه فعل البخلاء، إذ السخيّ إذا أراد أن يتقرّب بادر إليه، والبخيل لا تُطاوعه نفسه بإخراج شيء من يده إلا في مقابلة عوض، يستوفيه أوّلًا، فيلتزمه في مقابلة ما يحصُل له، وذلك لا يُغني من القدر شيئًا، فلا يسوق إليه خيرًا لم يُقدّر له، ولا يردّ عنه شرًّا قُضي عليه، لكن النذر قد يوافق القدر، فيُخرج من البخيل ما لولاه لم يكن ليُخرِجه، ذكره في "الفتح" (٢).

[فإن قيل]: هذا الحديث بظاهره يعارض ما أخرجه الترمذيّ من حديث أنس -رضي الله عنه- مرفوعًا: "إن الصدقة لتطفئ غضب الربّ، وتدفع مِيتة السوء"، فكيف يُجمع بينهما؟.

[أُجيب]: بأنه يُجمع بينهما بأن الصدقة تكون سببًا لدفع مِيتة السوء، والأسباب مقدّرة؛ كالمسبّبات، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله عن الرُّقَى: هل تردّ من


(١) راجع: "الفتح" ١٥/ ٣٥٤.
(٢) "الفتح" ١٥/ ٣٥٥.