للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وجزم الحنابلة بالكراهة، وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم، وتوقّف بعضهم في صحّتها.

وقال الترمذيّ بعد أن ترجم كراهية النذر، وأورد حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ثم قال: وفي الباب عن ابن عمر، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، من أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وغيرهم كرهوا النذر، وقال ابن المبارك: معنى الكراهة في النذر في الطاعة، وفي المعصية، فإن نذر الرجل في الطاعة، فوفى به، فله فيه أجرٌ، ويكره له النذر، قال ابن دقيق العيد: وفيه إشكالٌ على القواعد، فإنها تقتضي أن الوسيلة إلى الطاعة طاعة، كما أن الوسيلة إلى المعصية معصية، والنذر وسيلة إلى التزام القربة، فيلزم أن يكون قربة، إلا أن الحديث دلّ على الكراهة، ثم أشار إلى التفرقة بين نذر المجازات، فحمل النهي عليه، وبين نذر الابتداء، فهو قربةٌ محضة.

وقال ابن أبي الدم في "شرح الوسيط": القياس استحبابه، والمختار أنه خلاف الأولى، وليس بمكروه، كذا قال، ونوزع بأن خلاف الأولى ما اندرج في عموم نهي، والمكروه ما نُهي عنه بخصوصه، وقد ثبت النهي عن النذر بخصوصه، فيكون مكروهًا.

قال الحافظ: وإني لأتعجّب ممن انطلق لسانه بأنه ليس بمكروه مع ثبوت النهي الصريح عنه، فأقلّ درجاته أن يكون مكروهًا كراهة تنزيه.

وممن بنى على استحبابه النوويّ في "شرح المهذّب"، فقال: إن الأصحّ أن التلفّظ بالنذر في الصلاة لا يُبطلها؛ لأنها مناجاة الله، فأشبه الدعاء. انتهى.

وإذا ثبت النهي عن الشيء مطلقًا، فترك فعله داخل الصلاة أولى، فكيف يكون مستحبًّا؟ وأحسن ما يُحمل به عليه كلام هؤلاء نذر التبرّر المحض بأن يقول: لله عليّ أن أفعل كذا، أو لأفعلنّه على المجازاة (١).

وقد حمل بعضهم النهي على من علم من حاله عدم القيام بما التزمه، حكاه العراقيّ في "شرح الترمذيّ".


(١) هكذا نسخة "الفتح"، والظاهر أن الصواب: لا على المجازاة بزيادة "لا"، فليتأمل.