للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الطيبيّ: معنى قوله: "بادروا بالأعمال فِتَنًا" أي سابقوا وقوع الفِتَن بالاشتغال بالأعمال الصالحة، واهتمّوا بها قبل نزولها، فالمبادرة: المسارعة بإدراك الشيء قبل فواته، أو بدفعه قبل وقوعه. انتهى (١).

وقال القرطبيّ: معناه: سابقوا بالأعمال الصالحة هُجُوم الْمِحَن المانعة منها، السالبة لشرطها المصحِّحِ لها: الإيمان، كما قال: "يُصبح الرجل مؤمنًا، ويُمسي كافرًا"، ولا إحالةَ، ولا بُعْدَ في حَمْل هذا الحديث على ظاهره؛ لأن الْمِحَن، والشدائد إذا توالت على القلوب أفسدتها بغلبتها عليها، وبما يؤثّر فيها من القسوة، ومقصود هذا الحديث الحضّ على اغتنام الْفُرْصة، والاجتهاد في أعمال الخير والبرّ عند التمكّن منها قبل هُجُوم الموانع. انتهى (٢).

وقوله: (كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ) متعلّق بصفة لـ "فِتَن" أي كائنة كقِطَع الليل المظلِم، و"الْقِطَعُ" - بكسر، ففتح -: جمع قطعة، والمراد كجزء من الليل المظلِم؛ لفرط سوادها وظلمتها، وعدم تبيّن الصلاح والفساد فيها، وفيه إيماء إلى أن أهل هذه الْفِتَن ممن قال تعالى في حقّهم: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} [يونس: ٢٧]، وقد قرأ ابن كثير، والكسائيّ في الآية بسكون الطاء على أن المراد به جزء من الليل، أو من سواده، ويرادفه قطعة.

فقوله: "كقِطَع الليل المظلم" كناية عن شدّة الفِتَن، وهول الخوف منها، وإبهام الأمر فيها، وضعف الوصول إلى الحقّ، وسرعة الوقوع في الباطل، ووصف الليل بالمظلم للتأكيد.

وحاصل المعنى: تعجّلوا بالأعمال الصالحة قبل مجيء الفتن المظلمة من القتل، والنهب، والاختلاف بين المسلمين في أمر الدنيا والدين، فإنكم لا تطيقون الأعمال على وجه الكمال فيه، والمراد من التشبيه بيان حال الفِتَن من حيث إنه بَشِيعٌ فَظِيعٌ، ولا يُعرف سببها، ولا طريق الخلاص منها، قاله القاري (٣).

(يُصْبِحُ) أي يدخل في وقت الصباح، يقال: أصبحنا: أي دخلنا في


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٤٠٦.
(٢) "المفهم" ١/ ٣٢٦.
(٣) "مرقاة المفاتيح" ٩/ ٢٦٠.