الدخول في الاعتكاف، وعلى هذا فتكون هذه الكراهة من باب تسمية ترك الأولى مكروهًا، ووجه هذا واضحٌ، وهو أن فعل القرب من غير التزام خيرٌ محضٌ، عرِيّ عن خوف العقاب، بخلاف الملتزم لها، فإنه يُخاف عليه ذلك فيها، وقد شهد لهذا ذمّ من قصّر فيما التزم في قوله تعالى:{فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} الآية [الحديد: ٢٧]، ولا إشكال في أن النذر من جملة العقود، والعهود المأمور بالوفاء بها، وأن الوفاء بذلك من أعظم القرَب الْمُثْنَى عليها، وكفى بذلك مدحًا، وتعزيزًا قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧)} [الإنسان: ٧]. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما تقدم عن القرطبي من حمل النهي عن النذر على نذر المجازاة؛ كأن يقول: إن شفى الله مريضي فعلي نذر أن أتصدق بكذا هو الأرجح؛ لأنَّ آخر الحديث يدلّ عليه، حيث قال:"إنه لا يرد شيئًا"، وقال أيضًا:"لا يأتي النذر على ابن آدم شيئًا لم أقدره عليه"، وقال أيضًا:"النذر لا يقدم شيئًا ولا يؤخره"، فكل هذه النصوص تدُلّ دلالة واضحة على أنَّ النذر المنهيّ عنه هو الذي كان في مقابلة حصول شيء، أو دفع شيء، وأما ما خلا عن المجازاة فهو حسنٌ، ولا كراهة فيه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف رحمه الله أَوَّل الكتاب قال: