للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن الأثير رحمه الله: كان اسم ناقة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الْعَضْباءَ، وهو عَلَم لها منقول من قولهم: ناقةٌ عضباءُ؛ أي: مشقوقة الأذن، ولم تكن مشقوقة الأذن، وقال بعضهم: إنها كانت مشقوقة الأذن، والأول أكثر. انتهى (١).

(فَأَتَى عَلَيْهِ)؛ أي: على ذلك الرجل الأسير (رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَهْوَ فِي الْوَثَاقِ) جملة حاليّة من الضمير المجرور، و"الوثاق" -بفتح الواو وكسرها-: القيد، والحبل، ونحوه، ويقال: وَثُق الشيء بالضمّ وَثَاقَةً: قَوِيَ وثبت، فهو وثيقٌ ثابتٌ مُحكمٌ، وأوثقته: جعلته وَثيقًا (٢).

(قَالَ) الرجل (يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ)؛ أي: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجلَ (فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟ " أي: ما حالك حيث ناديتني (فَقَالَ: بِمَ أَخَذْتَنِي)؛ أي: بأيّ سبب أسرني أصحابك؟ (وَبِمَ أَخَذْتَ سَابِقَةَ الْحَاجِّ)؛ أي: الناقة التي تسبق نُوق الحجاج رحمه الله، وكانت العضباء المذكورة معروفة بذلك.

قال القرطبيّ رحمه الله: قول الرجل: "يا محمد بم أخذتني … إلخ" هو استفهام عن السبب الذي أوجب أخذه، وأخذ ناقته، وكأنَّه كان يعتقد: أن له ولقبيلته عهدًا من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- "، فأجابَه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بذكر السبب إعظامًا لحق الوفاء، وإبعادًا لنسبة الغدر إليه، فقال: "أخذتُك بجريرة حلفائِك ثقيفٍ"؛ أي: بما فعلته ثقيفٌ من الجناية التي نقضوا بها ما كانَ بينَهم وبينَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من العهد (٣)، وكانت بنو عُقَيل دخلوا معهم في ذلك، فإمَّا بحكم الشرط، وفيه بُعْد، والظاهر أنَّهم دخلوا معهم بحكم الحِلْف الذي كان بينَهم، ولذلك ذكر حلفهم في الحديث، ولَمّا سَمِع الرَّجلُ ذلك لَمْ يجدْ جوابًا، فسكتَ.


(١) "النهاية في غريب الحديث والأثر" ٣/ ٢٥١.
(٢) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٦٤٧.
(٣) كتب في هامش "المفهم" هنا ٤/ ٦١٠ ما نضه: فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: ١٥] قيل: لَمَّا نقض حلفاؤهم رضوا بذلك، والراضي كالفاعل، وجواب ثانٍ: أي: أنهم كفّار لا عهد لهم، والكافر الذي لا عهد له مباح ماله ودمه، فيكون معنى قوله: "بجريرة حلفائك": أي: بمثل دينهم من الكفر، وجواب ثالث: أن يقدَّر في الكلام حذف، معناه: أخذناك لنُفادي بك من حلفائك. انتهى.