للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعَنَى بسابقة الحاجِّ: ناقته العضباء، فإنها كانت لا تُسبق. وقد كانت معروفة بذلك، حتى جاء أعرابيٌّ بقَعودٍ له فسبقَها، فَعَظُمَ ذلك على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقالوا: سُبقت العضباء. فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن حقًّا على اللهِ ألا يُرفعَ شيء من الدُّنيا إلَّا وضعه" (١). انتهى (٢).

(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (إِعْظَامًا لِذَلِكَ)؛ أي: تكريمًا لسؤاله، وقال القرطبيّ رحمه الله: إعظامًا لحقّ الوفاء، وإبعادًا لنسبة الغدر إليه. انتهى. ("أَخَذْتُكَ بِجَرِيرَةِ حُلَفَائِكَ)؛ أي: بجنايتهم.

وقال القرطبيّ رحمه الله: الْحُلَفاء: جمع حَلِيف؛ كظرفاء: جمع ظريف، والحليف: اسم فاعل من حَلَف، عُدِل عن حالف للمبالغة، وقد كَثُر حتى صار كالأسماء، والمحالفة، والتحالف: التعاهد، والتعاقد على التناصر والتعاضد.

والأسر: الأخذ، وأصله: الشَّدُّ والرَّبط، قاله القتبي.

والعضباء: اسم للناقة. وهي التي صارت للنبيّ إما بحكم سهمه الخاصّ به من المغنم المسمَّى بـ "الصَّفِيِّ"، وإمَّا بالمعاوضة الصحيحة، وهي المسمَّاة بالْجَدْعاء، والْقَصْواء، والْخَرْماء في روايات أخر، وقد ذكرنا الخلاف فيها فيما تقدَّم.

والعَضْب، والقصو، والجدع، والخرم، كلها بمعنى القطع، وسُمِّيت هذه الناقة بتلك الأسماء؛ لأنَّها كان في أذنها قطع، وسميت به، فصدقت عليها تلك الأسماء كلها، وعلى هذا، فأصول هذه الأسماء تكون صفات لها، ثم كثرت فاستعملت استعمال الأسماء. انتهى (٣).

وقد سبق في "كتاب الحجِّ" بيان الخلاف: هل العضباء، والقصواء، والجدعاء ثلاث، أم واحدة؟ فراجعه تستفد، وبالله -عَزَّوَجَلَّ- التوفيق.


(١) أخرجه البخاريّ في "صحيحه" من طريق حميد الطويل، عن أنس -رضي الله عنه-، قال: كانت ناقة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- تُسَمَّى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قَعُود له، فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سُبِقت العضباء، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن حقًّا على الله أن لا يَرْفَعَ شيئًا من الدنيا إلَّا وضعه". انتهى.
(٢) "المفهم" ٤/ ٦٠٩ - ٦١٠.
(٣) "المفهم" ٤/ ٦٠٩.