للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قتلك، ويبقى الخيار بين الاسترقاق والمنّ والفداء، وفي هذا جواز المفاداة، وأن إسلام الأسير لا يسقط حقّ الغانمين منه، بخلاف ما لو أسلم قبل الأسر، وليس في هذا الحديث أنه حين أسلم، وفادى به رجع إلى دار الكفر، ولو ثبت رجوعه إلى دارهم، وهو قادر على إظهار دينه؛ لقوة شوكة عشيرته، أو نحو ذلك لَمْ يحرُم ذلك، فلا إشكال في الحديث، وقد استشكله المازريّ، وقال: كيف يُرَدّ المسلم إلى دار الكفر؟ وهذا الإشكال باطلٌ، مردود بما ذكرته. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد عرفت ما ترجّح لديّ في المسألة فيما ذكرته آنفًا، فتأمله حقّ التأمل، والله تعالى وليّ التوفيق.

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("لَوْ قُلْتَهَا" أي: كلمة الإسلام (وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ) جملة في محلّ نصب على الحال من الفاعل (أفلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ") بنصب "كلَّ" على أنه مفعول مطلق على النيابة، كما قال في "الخلاصة":

وَقَدْ يَنُوبُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ دَلّْ … كَـ "جِدَّ كُلَّ الْجِدِّ"، و"افْرَحِ الْجَذَلْ"

(ثُمَّ انْصَرَفَ)؛ أي: رجع -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل (فَنَادَاهُ) الرجلُ (فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ) -صلى الله عليه وسلم- (فَقَالَ: "مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: إِنِّي جَائِعٌ فَأَطْعِمْنِي، وَظَمْآنُ فَأَسْقِنِي، قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("هَذِهِ حَاجَتُكَ")؛ أي: حاجتك المهمّة التي ادّعيت بسببها الإسلام، وكرّرت من أجلها مناداتي (فَفُدِي بِالرَّجُلَيْنِ) ببناء الفعل للمفعول؛ أي: أُعطي فداء للصحابيين اللذين أسرتهما ثقيف، كما تقدّم.

قال المجد رحمه الله: فَدَاهُ يَفْديه فِدَاءً، وفِدًى، ويُفْتَحُ، وافتَدَى به، وفاداه: أعطى شيئًا فأنقذه، والفِدَاء ككِسَاء، وكَعَلَي، وإِلَي، وكَفِتْيَةٍ: ذلك المعطى. انتهى (٢).

وقال الفيّوميّ رحمه الله: فَدَاهُ من الأسر يَفْدِيهِ فِدًى مقصورٌ، وتُفْتَح الفاء، وتُكْسَر: إذا استنقذه بمال، واسم ذلك المال: الفِدْيَةُ، وهو عِوَضُ الأسير، وجمعها: فِدًى، وفِدْيَاتٌ، مثل سِدْرَة، وسِدَر، وسِدْرات، وفَادَيْتُهُ مُفَادَاةً، وفِدَاءً، مثل قاتلته مقاتلةً، وقتالًا: أطلقته، وأخذت فِدْيَتَهُ، وقال الْمُبَرِّد:


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١٠٠.
(٢) "القاموس المحيط" ١/ ١٧٠٢.