للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[فالجواب]: أنَّه ليس في الحديث نصٌّ على أنَّه رجع إلى بلاده بلاد الكفر، فيمكن أن يُقال: إنما فُدِي بالرَّجلين من الرِّق، فأُعتق منه بسبب ذلك، وبقي مع المسلمين حرًّا من الأحرار، وليس في قوله: "هذه حاجتك" ما يدلُّ على أن إسلامه ليس بصحيح، كما ظنه القائل الأول، فإنما معتى ذلك: هذه حاجتك حاضرة مُتيسِّرة.

قال القرطبيّ رحمه الله: وهذا الوجه الثاني أولى؛ لأنه لا نصّ في الحديث يردَّه، ولا قاعدة شرعية تبطله، والله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن الوجه الأول هو الأولي، والأرجح، فالظاهر أنه -صلى الله عليه وسلم- عَلِم أنه ليس صادقًا في دعواه الإسلام؛ فهذا هو الذي يدلّ عليه سياق الحديث دلالة واضحة، فقوله: "هذه حاجتك" ظاهر في أن ما سبق له من دعوى الإسلام إنما هو لهذا الغرض، وكذا قوله: "ففُدي بالرجلين" ظاهر في أنه على دينه، فلذا دُفع إلى قومه فداءً لفكّ الرجلين، فتأمله حقّ التأمل، والله تعالى أعلم.

ثم وجدت الإمام ابن حبّان رحمه الله قد أوضح هذا المعنى في "صحيحه" حيث قال -بعد إخراج الحديث-: قول الأسير: إني مسلم، وترك النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ذلك منه، كان لأنه -صلى الله عليه وسلم- عَلِمَ منه بإعلام الله -جَلّ وعَزّ- إياه أنه كاذب في قوله، فلم يَقْبَل ذلك منه في أسره، كما كان يَقْبَل مثله من مثله، إذا لَمْ يكن أسيرًا، فأما اليوم فقد انقطع الوحي، فإذا قال الحربيّ: إني مسلم قُبِل ذلك منه، ورُفِع عنه السيف، سواء كان أسيرًا أو محاربًا. انتهى كلام ابن حبّان رحمه الله (٢)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ رحمه الله: قوله -صلى الله عليه وسلم- للأسير حين قال: إني مسلم: "لو قلتها، وأنت تملك أمرك أفلحت كلّ الفلاح" إلى قوله: "ففُدي بالرجلين": معناه: لو قلت كلمة الإسلام قبل الأسر حين كنت مالك أمرك أفلحت كلَّ الفلاح؛ لأنه لا يجوز أسرك لو أسلمت قبل الأسر، فكنت فُزْتَ بالإسلام، وبالسلامة من الأسر، ومن اغتنام مالك، وأما إذا أسلمت بعد الأسر، فيسقط الخيار في


(١) "المفهم" ٤/ ٦١١ - ٦١٢.
(٢) "صحيح ابن حبان" ١١/ ١٩٨.