للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (مِنَ الْوَثَاقِ) متعلّق بـ "انفلتت" (فَأَتَتِ الإِبِلَ)؛ أي: لعلها تجد ما يطاوعها للركوب حتى تشرد منهم إلى بلدها (فَجَعَلَتْ)؛ أي: شرعت (إِذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا)؛ أي: صَوّت، والرُّغاء بالضمِّ وزانُ غُراب: صوت البعير، ورغَت الناقة ترْغُو: صوّتت، فهي راغية (١). (فتَتْرُكُهُ)؛ أي: لئلا يوقظ القوم من نومهم، فيعلمون بها، فيأخذونها، ويمنعونها من الرجوع إلى بلدها (حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْعَضْبَاءِ) ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (فَلَمْ تَرْغُ)؛ أي: لَمْ تصح؛ لكونها معلّمة مدرّبةً، كما بيّنه بقوله: (قَالَ) الراوي، والظاهر أنه عمران -رضي الله عنه- (وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ) بضم الميم، وفتح النون، والواو المشدّدة؛ أي: مُذلَّلةً (٢).

وقال المجد رحمه الله: والمُنَوَّقُ؛ كمُعَظَّمٍ: المُذَلَّلُ من الجِمالِ، ومن النَّخْلِ: المُلَقَّحُ، ومن غيرِها: المُصَفَّفُ، والمُطَرَّقُ، والمُسَلَّكُ، وهي: بهاءٍ، والنَّوَّاقُ: رائِضُ الأمورِ، ومُصْلِحُها، والنَّوْقَةُ: الحَذاقَةُ في كلِّ شيءٍ. انتهى (٣).

وقال النوويّ رحمه الله عن قوله الآتي: "ناقة ذَلُولٌ مُجَرَّسة": وفي رواية: "مُدَرَّبة"، أما المجرسة فبضم الميم، وفتح الجيم، والراء المشددة، وأما الْمُدَرَّبة، فبفتح الدال المهملة، وبالباء الموحّدة، والمجرَّسة، والمدرّبة، والمنوّقة، والذَّلُول كله بمعنى واحد. انتهى (٤).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "وناقةٌ مُنوَّقة"؛ أي: مُذَلَّلَةٌ، مدرَّبةٌ، لا نَفْرَةَ عندها، وهي المجرَّبة أيضًا، هذا قول العلماء، ويظهر لي: أن كونها مدرَّبة ليس موجبًا لئلا ترغو؛ لأنا قد شاهدنا من الأباعر والنُّوق ما لَمْ يَزَل مدرَّبًا على العمل، ومع ذلك فيرغو عند ركوبه، وعند الحمل عليه، وكأن هذه الناقة إنما كانت كذلك، إما لأنَّها دُرِّبت على ترك الرُّغاء من صغرها، وإما لأنَّها كان لها هوًى في السَّير والْجَرْي لنشاطها، فكلما حُرِّكت بادرت لما في هواها، وإما لأنَّها خُصَّت في أصل خلقتها بزيادة هدوء، أو كان غير ذلك ببركة ركوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليها. انتهى (٥).


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٣٢.
(٢) شرح النوويّ" ١١/ ١٠٠ - ١٠١.
(٣) "القاموس المحيط" ص ١٣٢٦.
(٤) "شرح النوويّ" ١١/ ١٠٢.
(٥) "المفهم" ٤/ ٦١٢.