للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أيام" (١)، وقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "كفّارة النذر كفّارة اليمين" (٢). انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله باختصار (٣).

وقال القرطبيّ رحمه الله: في هذا الحديث، وحديث أخت عقبة المذكور بعد هذا -وهو أنصُّ مما قبله-؛ دليلٌ على أنَّ نذر المشي إلى البيت الحرام يجب الوفاء به لمن قدر عليه، فإن لم يقدر وجب عليه المضيّ راكبًا، وظاهرهما لزوم المشي، وإن لم يذكر حجًّا ولا عمرة، كما هو مذهب مالك؛ لأنه لما سأله عقبة عمَّن نذر المشي إلى البيت مطلقًا، فأجاب عنه، ولم يستفصل، تعيَّن حملُ الجواب على إطلاق ذلك السؤال؛ إذ لو اختَلَف الحال بقيدٍ لسأل عنه، أو لبيَّنه؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإلى هذا ذهب الشافعيّ، وهو مرويّ عن عليّ، وابن عباس، وقال أبو حنيفة: إن لم يُسَمّ حجًّا ولا عمرة لم يلزمه مشيٌّ، ولا شيء جملة واحدة، وقال الحسن البصريّ: إن نذر حجًّا أو عمرة فلا مشي عليه، ويركب وعليه دم، وقاله أبو حنيفة أيضًا، والحجَّة عليهما ما تقدَّم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٤).

قال الجامع عفا الله عنه: ما ذهب إليه مالك، والشافعيّ، وروي عن عليّ وابن عبّاس -رضي الله عنهما- من أن من نذر المشي إلى بيت الله الحرام وجب الوفاء عليه، سواء سمّى حجًّا أو عمرة، أم لم يسمّ هو الراجح؛ لإطلاق حديث أنس، وعقبة بن عامر -رضي الله عنهما-، فتأمله بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.

(المسألة الخامسة): قال القرطبيّ رحمه الله: ظاهر حديث هذا الشيخ أنَّه كان قد عجز عن المشي في الحال، وفيما يأتي بعد، ولذلك لم يقل له النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ما قال لأخت عقبة: "مُرْها فلتمش ولتركب"؛ فإنَّها كانت ممن يقدر على بعض المشي، فأمرها أن تركب ما عجزت عنه، وتمشي ما قدرت عليه، وهذا هو


(١) حديث الأمر بالصوم ضعيف؛ لأنه من رواية عبيد الله بن زحر، وهو ضعيف عند الأكثرين.
(٢) رواه مسلم.
(٣) "المغني" ١٣/ ٦٣٥ - ٦٣٦.
(٤) "المفهم" ٤/ ٦١٦.