قال ابن قُدامة رحمه الله: من نذر المشي إلى بيت الله الحرام لزمه الوفاء بنذره. وبهذا قال مالك، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأبو عُبيد، وابن المنذر، ولا نعلم فيه خلافًا. وذلك لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا تشدّ الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"، متّفقٌ عليه. قال: ولا يجزئه المشي إلَّا في حجّ، أو عمرة، وبه يقول الشافعيّ، ولا أعلم فيه خلافًا، وذلك لأنَّ المشي المعهود في الشرع هو المشي في حجّ، أو عمرة، فإذا أطلق الناذر حُمل على المعهود الشرعيّ، ويلزمه المشي فيه؛ لنذره المشي، فإن عجز عن المشي ركب، وعليه كفّارة يمين. وعن أحمد رواية أخرى أنه يلزمه دم، وهو قول الشافعيّ، وأفتى به عطاء؛ لِمَا روى ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن أخت عقبة بن عامر -رضي الله عنه- نذرت المشي إلى بيت الله الحرام، فأمرها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن تركب، وتُهدي هديًا"، رواه أبو داود، وفيه ضعف.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: بل هو حديث صحيح، ولتراجع كلام الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة"(٦/ ١٠٣٧)، والله تعالى أعلم.
قال: ولأنه أخلّ بواجب في الإحرام، فلزمه هديٌ، كتارك الإحرام من الميقات. وعن ابن عمر، وابن الزبير -رضي الله عنهم- قالا: يحجّ من قابل، ويركب ما مشي، ويمشي ما ركب، ونحوه عن ابن عبّاس، وزاد، فقال: ويُهدي. وعن الحسن مثل الأقوال الثلاثة. وعن النخعيّ روايتان: إحداهما؛ كقول ابن عمر. والثانية؛ كقول ابن عبّاس. وهذا قول مالك. وقال أبو حنيفة: عليه هديٌ، سواء عجز عن المشي، أو قدر عليه، وأقلّ الهدي شاة. وقال الشافعيّ: لا يلزمه مع العجز كفّارة بحال، إلَّا أن يكون النذر مشيًا إلى بيت الله الحرام، فهل يلزمه هديٌ، فيه قولان. وأما غيره، فلا يلزمه مع العجز شيء. قال: ولنا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حين قال لأخت عقبة بن عامر لمّا نذرت المشي إلى بيت الله الحرام:"لتمش، ولتركب، ولتكفّر عن يمينها"(١)، وفي رواية: "ولتصم ثلاثة
(١) ضعيف؛ لأنَّ في سنده شريك بن عبد الله النخعي، سيئ الحفظ، ويدلّس، وقد عنعنه.