أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أُبَّهَةِ النبوة، وجلالة مقدارها، وانحطاط سائر الرُّتَب، وإن جلت على رتبتها.
وقوله عز وجل:{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} أي من أجل أن تَحْبَط، أي تَبْطُل، هذا قول البصريين، وقال الكوفيون: أي لئلا تحبط أعمالكم.
وقال الزجاج:{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} التقدير: لأن تحبط، أي فتحبَطَ أعمالكم، فاللام المقدرة لام الصيرورة، وليس قوله:{أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}، بموجب أن يَكْفُر الإنسان، وهو لا يعلم، فكما لا يكون الكافر مؤمنًا إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون المؤمن كافرًا من حيث لا يقصد إلى الكفر، ولا يختاره، بالإجماع. انتهى (١).
(جَلَسَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ) أي حبس نفسه في بيته كئيبًا حزينًا خائفًا.
وهو: ثابت بن قيس بن شَمّاس بن زُهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ الخزرجيّ، خَطِيب الأنصار، رَوَى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وعنه أولاده: محمد، وقيس، وإسماعيل، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، واستُشْهِد باليمامة، في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - سنة (١٢).
روى ابن السكن من طريق ابن أبي عديّ، عن حُميد، عن أنس - رضي الله عنه - قال: خطب ثابت بن قيس مَقْدَم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ، فقال: نَمْنَعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فما لنا؟ قال:"الجنّة"، قالوا: رَضِينا.
وقال جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان ثابت بن قيس خَطِيب الأنصار، يُكنى أبا محمد، وقيل: أبا عبد الرحمن، ولم يذكره أصحاب المغازي في البدريين، وقالوا: أول مشاهده أحدٌ، وشهد ما بعدها، وبَشَّره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالجنة في هذا الحديث.
وأخرج الترمذي بإسناد حسن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه:"نعم الرجل ثابت بن قيس".