للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الحديث:

(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) - رضي الله عنه - (أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}) قال النسفيّ: إعادة النداء عليهم استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كلّ خطاب وارد، وتحريك منهم؛ لئلا يغفلوا عن تأملهم (١). ({لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} أي إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحدّ الذي يبلغه بصوته، وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليًا لكلامكم، وجهره باهرًا لجهركم، حتى تكون مزيّته عليكم لائحةً، وسابقته لديكم واضحةً، وقوله: (إِلَى آخِرِ الْآيَةِ) أي وهو قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: ٢].

والمعنى: إذا كلّمتموه، وهو صامتٌ، فإياكم والعدول عما نُهيتم عنه، من رفع الصوت، بل عليكم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم، وأن تتعمّدوا في مخاطبته القول الليّن المقرّب من الهمس الذي يُضادّ الجهر، أو لا تقولوا له: يا محمد، يا أحمد، وخاطبوه بالنبوّة، والسكينة، والتعظيم.

وقوله: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} منصوب الموضع على أنه المفعول له، متعلّقٌ بمعنى النهي، والمعنى: انتهوا عما نُهيتم عنه؛ لحبوط أعمالكم: أي لخشية حبوطها، فهو على تقدير مضاف محذوف (٢).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ}: أي لا تخاطبوه يا محمد، ويا أحمد، ولكن يا نبي الله، ويا رسول الله؛ توقيرًا له، وقيل: كان المنافقون يرفعون أصواتهم عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ ليقتدي بهم ضَعَفَةُ المسلمين، فَنُهِي المسلمون عن ذلك، وقيل: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ}: أي لا تجهروا عليه، كما يقال: سَقَطَ لفيه: أي على فيه.

وقوله عز وجل: {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} الكاف كاف التشبيه، في محل النصب، أي لا تجهروا له جهرًا مثل جهر بعضكم لبعض.

وفي هذا دليلٌ على أنهم لم يُنْهَوْا عن الجهر مطلقًا، حتى لا يسوغُ لهم إلا أن يُكَلِّموه بالْهَمْس والمخافتة، وإنما نُهُوا عن جهرٍ مخصوصٍ مُقَيَّدٍ بصفةٍ،


(١) "تفسير النسفيّ" ٤/ ١٦٥ - ١٦٦.
(٢) المصدر السابق ٤/ ١٦٦.